كبير، حتى وقع ذلك منه في أبيه وإخوته وسائر أهل بيته. ونقلوا في ذلك أشعاراً ومن شعره في غير الهجاء قوله:
وكانت بالسراة لنا ليال ... سرقناهن من ريب الزمان
جعلناهن تاريخ الليالي ... وعنوان المسرة والأمان
ومن قوله في هجاء بعض الكتاب:
تعس الزمان لقد أتى بعجاب ... ومحا رسوم الظرف والآداب
وأتى بكتاب لو انبسطت يدي ... فيهم رددتهم إلى الكتاب
ودخل وزير المعتضد، والمعتضد ينشد هجاء فيه، فلما رآه المعتضد استحيى منه وقال: اقطع لسان ابن بشام. فخرج الوزير مبادراً لقطع لسانه، فاستدعاه المعتضد وقال: اقطع لسانه بالبر والشغل، ولا تعرض له بسوء، فولاه البريد وبعض الأعمال والبشامي نسبة إلى الجد والهجاء الذي دخل الوزير، والمعتضد ينشده هو:
قل لأبي القاسم المروزي ... قابلك الدهر بالعجائب
مات لك ابن وكان زيناً ... وعاش ذو الشين والمعائب
حياة هذا كموت هذا ... فليس تخلو من المصائب
يعني بأبي القاسم: أبا الوزير المذكور، وكان قد مات له ابن هو أخو الوزير. والمعنى أن حياة الوزير مصيبة، كما أن موت أخيه مصيبة.
وفيها توفي الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر، المعروف بابن الفرات وكان وزير بني الأختل بمصر مدة إمارة كافور، وبعد وفاة كافور. وكان عالماً ومحباً للعلماء، وحدث عن محمد بن هارون الحضرمي وطبقته، وعن جماعة آخرين، وكان يملي الحديث بمصر، وهو وزيره، وقصده الأفاضل من البلدان الشاسعة، وبسببه سار الحافظ الحسن الدارقطني من العراق إلى مصر، ولم يزل عنده حتى فرغ من تأليف مسند، وله تأليف في أسماء الرجال والأنساب وغير ذلك. ومدحه المتنبي مع كافور، وكان كثير الخير أهل الحرمين. واشترى بالمدينة داراً ليس بينها وبين الضريح النبوي سوى جدار واحد وأوصى أن يدفن فيها، وقرر مع الأشراف ذلك، ولما مات حمل تابوته، وخرجت الأشراف إلى لقائه وفاء بما أحسن إليهم، وحجوا به وطافوا، ووقفوا، ثم ردوه إلى المدينة، ودفنوه بالدار المذكور، وقيل: دفن بالقرافة، وعلى قبره مكتوب اسمه.