قطب العلوم أبو القاسم الجنيد بن محمد القواريري الخزاز " بالخاء المعجمة والزاي المشددة المكررة " قدس الله تعالى روحه. وقيل: سنة سبع، وقيل: ست صحب خاله السري السقطي، والحارث بن أسد المحاسبي وغيرهما من جلة المشايخ. وممن صحبه من جلة الأئمة وأعلام الأئمة أبو العباس بن شريح الفقيه الشافعي المنتخب في العلوم المقتحم للخصوم. كان إذا تكلم في الأصول والفروع بكلام يعجب الحاضرين يقول لهم: أتدرون من أين لي هذا؟. هذا من بركة مجالستي أبا القاسم الجنيد.
وأصل الجنيد من نهاوند، ومولده ومنشأه العراق. وكان شيخ وقته وفريد عصره وكلامه في الطريقة وأسرار الحقيقة مشهور مدون، تفقه على أبي ثور صاحب الإمام الشافعي، وقيل بل كان فقيهاً على مذهب سفيان الثوري. وسئل عن العارف من هو؟. فقال من نطق عن شركه وأنت ساكت، وكان يقول: مذهبنا هذا مقيد بالأصول والكتاب والسنة.
وروي يوماً وفي يده سبحة، فقيل له: أنت مع شرفك تأخذ في يدك سبحة. فقال طريق وصلت به إلى ربي لا أفارقه. وقال: قال لي خالي السري: تكلم على الناس وكان في قلبي حشمة من الكلام على الناس فإني كنت أتهم نفسي في استحقاق ذلك، فرأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت ليلة الجمعة. فقال لي: تكلم عل الناس، وأتيت باب السري قبل أن أصبح، فدققت الباب فقال لي: لم تصدق حتى قيل لك فقعدت في غد للناس بالجامع، وانتشر في الناس أن الجنيد قعد يتكلم على الناس، فوقف علي غلام نصراني متنكراً وقال: أيها الشيخ، ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله "؟ فأطرقت ساعة ثم رفعت رأسي، وقلت له أسلم فقد حان وقت إسلامك، فأسلم الغلام.
قلت: والناس يعتقدون أن في هذا للجنيد كرامة، وأقول: فيه كرامتان: إحداهما: اطلاعه على كفر الغلام.
والثانية: اطلاعه على أنه سيسلم في الحال.
وكل ذلك باطلاع الله تعالى له تفضيلاً وإكراماً وتخصيصاً وإنعاماً، وإن لم يكن ذلك مطرداً، فقد يعطي الكرامة المفضول، ويمنع الفاضل وعن أبي القاسم الجنيد أنه قال: ما انتفعت بشيء انتفاعي بأبيات سمعتها، قيل له: وما هي؟ قال: مررت بدرب القراطين فسمعت جارية تغني من دار فأنصت لها، فسمعتها تقول: