رجلاً وقالوا: سله عن حد الشكر، فسأله: متى يكون الإنسان في داخلاً في حد السكران؟ فقال: إذا ضربت عنه الهموم، وباح بسره المكتوم، فاستحسن منه ذلك، وعلم موضعه العلم.
قلت: وهذا الذي ذكره في حد السكر هو الذي نقله أصحابنا عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وإن اختلفا في بعض اللفظ والعبارة، فعبارة الشافعي: إنه الذي اختل كلامه المنظوم، وانكشف سره المكتوم.
وروى الشيخ الإمام أبو إسحاق بسنده في الطبقات: إن ابن داؤد المذكور جاءته امرأة فقالت له: ما تقول في رجل له زوجة، لا هو يمسكها، ولا هو يطلقها؟. فقال: اختلف في ذلك أهل العلم، فقال قائلون: يؤمر بالصبر والإحتساب، وتبعث على التطلب والإكتساب وقال قائلون: تؤمر بالإتفاق، ولا يحمل على الطلاق. فلم تفهم المرأة قوله، وأعاد مسألتها فقال لها: يا هذه، قد أجبتك عن مسألتك، وأرشدتك إلى طلبتك، ولست بسلطان فأمضي، ولا قاض فأقضي، ولا زوج فأرضي، فانصرفت ولم تفهم جوابه.
وصنف ابن داود كتابه " الزهرة " المذكور في عنفوان شبابه، وهو مجموع أدب أتى فيه. بكل غريبة ونادرة وشعر رائق.
واجتمع يوماً، هو وأبو العباس بن شريح في مجلس الوزير ابن الجراح، فتناظرا في الإيلاء، فقال له ابن شريح: أنت تقول: من كثرت لحظاته دامت حسراته، أبصر منك بالكلام في الإيلاء. فقال له ابن داود: لئن قلت ذلك فإني أقول.
أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما
وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه ... يصب على الصخر الأصم تهدما
وينطق طرفي عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي ورده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فما أن حيا صحيحاً مسلماً
فقال له ابن شريح: ولم تفخر علي؟. ولو شئت أنا أيضاً لقلت:
ومسامر بالفتح من لحظاته ... قد بث أمنعه لذيذ سناته
ظناً بحسن حديثه وغنائه ... وأكدر اللحظات في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولي بخاتم ربه وبراته
فقال ابن داود: نحفظ الوزير عليه ذلك حتى يقيم شاهدي عدل، أنه ولي بخاتم ربه، فقال ابن شريح: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك.