والقضاة سوى خواص المقتدر، فبايعوه ولقبوه " الغالب بالله " وقيل: الراضي بالله، المرتضي بالله، فاستوزر ابن الجراح، واستحجب عن الخادم، ونفذت الكتب لخلافته إلى البلاد، وأرسلوا إلى المقتدر ليتحول من دار الخلافة، ولم يكن معه غير مؤنس الخادم ومؤنس الخازن، وخاله الأمير، وتحضنوا، وأصبح الحسين بن حمدان على محاصرتهم فرموه بالنشاب، وتناحوا ونزلوا على خيمته، وقصدوا ابن المعتز، فانهزم كل من حوله وركب ابن المعتز فرساً ومعه وزيره وصاحبه، وقد شهر سيفه وهو ينادي: معاشر العامة ادعوا لخليفتكم. وقصد سامراء ليثبت بها أمره، فلم يتبعه كثير أحد، وخذل فنزل عن فرسه، فدخل دار ابن الجصاص، واختفى وزيره، ووقع النهب والقتل في بغداد، وقتل جماعة من الكبار، واستقام الأمر للمقتدر. ثم أخذ ابن المعتز وقتل سراً، سلمه المقتدر إلى مؤنس الخادم، فقتله وسلمه إلى أهله ملفوفاً في كساء، وصودر ابن الجصاص. وقام بأعباء الخلافة الوزير ابن الفرات، ونشر العدل، واشتغل المقتدر باللعب.

وأما الحسين بن حمدان فأصلح أمره، وبعث إلى بعض الولايات، وابن المعتز المذكور وهو أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد العباسي. أخذ الأدب عن أبي العباس المبرد وأبي العباس ثعلب وغيرهما، وكان أديباً بليغاً شاعراً مطبوعاً مقتدراً على الشعر، قريب المأخذ، سهل اللفظ، جيد القريحة، حسن الإبداع للمعاني، مخالطاً للعلماء والأدباء، معدوداً من جملتهم، إلى أن جرت له الكاتبة المذكور في خلافة المقتدر، وله من التصانيف " كتاب الزهرة والرياض "، و " كتاب مكاتبات الشعر " و " كتاب الجوارح "، و " كتاب الصيد "، و " كتاب السرقات "، و " كتاب أشعار الملوك " و " كتاب الآداب "، و " كتاب حلي الأخبار "، و " كتاب طبقات الشعراء "، و " كتاب الجامع في العلم "، و " كتاب فيه أرجوزة في ذم الصبوح ". ومن كلامه: البلاغة البلوغ إلى المعنى وكان يقول: لو قيل لي ما أحسن شعر تعرفه؟. لقلت: قول العباس ابن الأحنف:

قد سحب الناس أذيال الطنون بنا ... وفرق الناس فينا قولهم فرقا

فكاذب قد رمى بالظن غيركم ... وصادق ليس يدري أنه صدقا

ورثاه علي بن محمد بن بسام يقول:

لله دره من ميت بمضيقة ... ناهيك في العلم والآداب والحسب

ما فيه لو، ولا لولا فتنقصه ... وإنما أدركته حرفة الأدب

ولإبن المعتز أشعار رائقة، وتشبيهات فائقة، من ذلك قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015