وفي السنة المذكورة ظهر بالبحرين أبو سعيد القرمطي، وقويت شوكته، وانضم إليه جمع من الأعراب والزنج واللصوص، حتى تفاقم أمره، وهزم جيوش الخليفة مرات، فعاث وأفسد، وقصد البصرة، فحصنها المعتمد قبل، وذبح أبو سعيد المذكور في حمام بقصره، وخلفه ابنه أبو طاهر، وهو في الحقيقة أبو النجس القرمطي، الذي أخذ الحجر الأسود، ولم يرجع إلا بعد سنين كثيرة، وقيل بعد عشرين سنة.
وفيها توفي علي بن عبد العزيز أبو الحسن اللغوي المحدث بمكة، وقد جاوز التسعين، سمع أبا نعيم وطبقته وعم البغوي عبد الله بن محمد.
فيها وقيل في التي قبلها وقيل في التي بعدها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير أبو سعيد أحمد بن عيسى الخزاز، من أهل بغداد، صحب ذا النون وأبا عبد الله التستري والسري وبشر أو غيرهم. قال رحمة الله عليه: كل باطن يخالفه ظاهره فهو باطل. وقال: رأيت إبليس في النوم وهو يمر عني ناحية فقلت: تعال، فقال: أي شيء أعمل بكم؟ أنتم طرحتم عن نفوسكم ما أخادع به الناس. قلت: وما هو. قال: الدنيا. فلما ولى عني التفت إلي وقال: غير أن لي فيكم لطيفة. قلت: وما هي. قال: صحبة الأحداث. وقال: صحبت الصوفية ما صحت، فما وقع بيني وبينهم خلاف. قالوا: لم. قال: لأني كنت معهم على نفسي. وقال: مررت بشاب ميت في باب بني شيبة، ونظرت في وجهه فتبسم، فقلت: يا حبيبي. أحياة بعد الموت؟. فقال: أما علمت يا أبا سعيد أن الأحباء أحياء، وإنما ينقلون من دار إلى دار. قيل: وهو أول من تكلم في علم الفناء والبقاء. وقال الجنيد: لو طالبنا الله تعالى بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخزاز لهلكنا. وقيل لبعض المشايخ: إن أبا سعيد الخراز كان كثير التواجد عند الموت، فقال: لم يكن بعجيب أن تطير روحه اشتياقاً، وكان رضي الله تعالى عنه ينشد أبياتاً ترجمتها:
فأجسادهم في الأرض قتلى بحبه ... وأرواحهم في الحجب نحو العلى تسري
قلوبهم جوالة بمعسكر ... به أهل ود الله، كالأنجم الزهر
فما عرسوا إلا بقرب حبيبهم ... وما عرجوا من مس بؤس ولا ضر
وفي سنة الست المذكورة توفي محمد بن وضاح، محدث قرطبة الإمام الحافط.