فتى، قد كان في نسبك وقرابتك ما يكفيك أن نمت به إلينا، ولا تحمل نفسك على هذا، فقلت: هذا شعري أعزك الله فقال الرجل: سبحان الله يا فتى، لا تقل هذا. ثم ابتدأ فأنشد القصيدة أبياتاً، فقال لي أبو سعيد: نحن نبلغك ما تريد ولا تحمل نفسك على هذا. فخرجت متحيزاً لا أدري ما أقول، ونويت أن أسأل عن الرجل من هو، فما أبعدت حتى ردني أبو سعيد ثم قال لي: جنيت عليك فاحتمل. أتدري من هذا؟ قلت: لا. قال لي: هذا ابن عمك حبيب بن أوس الطائي أبو تمام، قم إليه، فقمت إليه فعانقته، ثم أقبل يقرطني ويصف شعري وقال: إنما فرجت معك. فلزمته بعد ذلك، وكبر عجبي من سرعة حفظه. ومعنى يقرظني أي: يمدحني. قال في الصحاح: والتقريظ مدح الإنسان وهو حي والتأبين: مدحه ميتاً. وقولهم فلان يقرظ صاحبه تقريظاً " بالظاء والضاد المعجمتين جميعاً " عن أبي زيد إذا مدحه بباطل أو حق. وهما يتقارظان المدح، إذا مدح كل منهما صاحبه.
وقيل للبحتري: أيما أشعر أنت أم أبو تمام؟ فقال: جيده خير من جيدى، ورديئي خير من رديئه وقال: يقال لشعر البحتري: سلاسل الذهب. وهو في الطبقه العليا، ويقال أنه قيل لأبي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر، أبو تمام أم البحتري أم المتنبي. فقال: حكيمان، والشاعر البحتري. قيل وما أنصفه ابن الرومي في قوله:
والفتى البحتري يسوق ما قال ... ابن أوس في المدح والتشبيب
كل بيت له يجود معناه ... فمعناه لإبن أوس حبيب
وقال ابن البحتري: أنشدت أبا تمام شيئاً من شعرى، فأنشد بيت أوس بن حجر " بفتح الحاء والجيم ":
إذا مقرم منا ذرا حدنا به ... تحمط فينا تاب آخر مقرم
وقال: نعيت إلى نفسي، فقلت: أعيذك بالله من هذا، فقال: إن عمري ليس يطول، وقد نشأ لطي مثلك. أما علمت أن خالد بن صفوان المنقرى رأى شبيب بن شيبه وهو من رهطه يتكلم فقال: يا بني، نعي إلى نفسي بإحسانك في كلامك، لأنا أهل بيت، ما نشأ فينا خطيب إلا مات من قبله. قال: فمات أبو تمام بعد سنة من هذا. وقوله: ذر أحدنا به، أي: سقط، وذروت الشيء أي: طيرته وأذهبته. وذرت الريح التراب وغيره تذروه ذرواً وتذريه ذرياً أي سفته. وأذريت الشيء إذا ألقيته كإلقاء الحب للزرع. وطعنه فأذراه عن ظهر دابته أي ألقاه. وتخمط بالخاء المعجمه والطاء المهملة يقال في الفحل إذا هدر، وفي الإنسان إذا تغضب وتكبر، وفي البحر إذا التطم " والمقرم " بضم الميم وسكون القاف وفتح الراء: المكرم، وكذلك القرم بفتح القاف. ومنه قيل سيد قوم مقرم وقال البحتري: أنشدت أبا تمام شعراً في بني حميد ووصلت به إلى مال خطير، فقال لي: أحسنت، أنت أمير الشعراء