في صحبة المأمون إلى أن توفي عنها سنة ثمان عشرة ومائتين، وعاشت بعده إلى إحدى وسبعين ومائتين، وعمرها ثمانون سنة.

اثنتين وسبعين ومائتين

فيها توفي الحافظ أبو معين الرازي، الحسين بن الحسن. والحافظ سليمان بن يوسف محدث حران وشيخها. وأبو معشر المنجم، وكان بارعاً في فنه ماهراً فيه. وله عدة تصانيف، وكانت له إصابات عجيبة. حكي أنه كان متصلاً بخدمة بعض الملوك، وأن ذلك الملك طلب رجلاً من أكابر دولته ليعاقبه، فاستخفى، وعلم أن المنجم المذكور يدل عليه بالطريق الذي يستخرج به الخبايا، فأراد أن يعمل شيئاً لا يهتدي إليه، فأخذ طشتاً وعمل فيه دماً، وجعل في الدم هاون ذهب. وقعد على الهاون أياماً. وبالغ في طلبه الملك، فلم يجده، وعند العجز أحضر المنجم وسأله عن موضعه، فعمل العمل الذي يستخرج به في العادة، وسكت زماناً حائراً، فقال له الملك: ما سبب سكوتك وحيرتك. قال: أرى شيئاً عجباً، قال: وما هو؟ قال: أرى المطلوب على جبل من ذهب، والجبل في بحر من دم، ولا أعلم في العالم موضعاً على هذه الصفة. فقال له: أعد نظرك وجد، فأخذ الطالع، وفعل ثم قال: ما أراه إلا كما ذكرت. فلما أيس الملك من القدرة عليه بهذه الطريق، ناس في البلد بالأمان للرجل ولمن أجاءه. فلما وثق بأمانه ظهر وحضر، فسأله عن الموضع الذي كان فيه، فأخبره، فأعجبه حسن احتياله، ولطافة المنجم في استخراجه والفقيه الأديب الأوحد، أحد أوعية العلم محمد بن عبد الوهاب العبدي النيسابوري. والحافظ محمد بن عوف الطائي محدث حمص.

وفيها توفي سليمان بن وهب، كان شاعراً بليغاً مرسلاً فصيحاً، وله ديوان رسائل، وقد مدحه أبو تمام والبحتري، وحكي أنه بلغه يوماً أن الواثق نظر إلى أحمد بن الخطيب الكاتب فأنشد:

من الناس إنسانان ديني عليهما ... مليحان لو شاءا لقد صدقاني

خليلي أما أم عمر فإنها ... وأما عن الأخرى فلا تسألاني

فقال أحمد بن الخصيب بن عمرو، وأما الآخر فأنا. وكذلك كان. فإنه يكتبهما بعد أيام، ولما تولى سليمان بن وهب الوزارة وقيل تولاها ابنه عبد الله بن سليمان، كتب إليه عبد الله بن عبد الله بن طاهر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015