وفيها توفي أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشي مولاهم الرازي الحافظ، الأئمة الأعلام، في آخر يوم من السنة. رحل وسمع من أبي نعيم والقعنبي وطبقتهما. قال أبو حاتم: لم يخلف بعده مثله علماً وفقهاً وصيانة وصدقاً. وهذا ممن لا يرتاب فيه، ولا أعلم من المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله. وقال إسحاق بن راهويه: " حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل.
وفيها توفي الإمام أبو موسى يونس بن عبد الأعلى المصري الفقيه المقرىء المحدث. روى عن ابن عيينة وابن وهب، وتفقه على الشافعي، وأخذ عنه الحديث. وكان الشافعي يصف عقله ويقول: ما رأيت بمصر أعقل منه، وقرأ القرآن على ورش، وتصدر للإقراء والفقه، وكان ورعاً صالحاً عابداً كبير الشأن، وروى القراءة عنه من الأئمة جماعة منهم محمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن جرير الطبري الإمامان الجليلان وغيرهما وكان محدثاً جليلاً من أفاضل أهل زمانه، وكان من العقلاء، ذكر ذلك عنه أبو عبد الله القضاعي، وروى غير القضاعي أن يونس روى عنه الإمام مسلم بن الحجاج القشيري، وأبو عبد الرحمن النيسابوري، وأبو عبد الله بن ماجة وغيرهم من أئمة الحديث الكبار. وقال قاضي مصر محمد بن الليث: لما عزم القاضي بكار لما ولي، وقد استشاره في من يشاوره عليك برجلين: أحدهما عاقل وهو يونس بن عبد الأعلى، فإني سعيت في دمه، فقدر فحقن دمي. والآخر أبو هارون موسى بن عبد الرحمن بن القاسم، فإنه رجل زاهد، فقال بكار: صف لي الرجلين، فوصفهما، فلما دخل مصر ودخل عليه الناس عرفهما فرفهما وقيل: إن موسى المذكور اختص به القاضي بكار، وكان يتبرك به لزهده، فقال له يوماً: أبا هارون، من أين المعيشة؟. فقال: من وقف وقفه أبي، فقال له بكار: يكفيك، قال: تكفيت به. وقال: قد سألني القاضي فأريد أن أسأله، قال: سل، قال: هل ركب القاضي دين بالبصرة حتى تولى بسببه القضاء؟ قال: لا. قال: فهل رزق ولداً أحوجه إلى ذلك قال: لا، ما نكحت قط. قال: فلك عيال كثير؟. قال: لا، قال: فهل أجبرك السلطان وعرض عليك العذاب وخوفك؟ قال: لا. قال: فضربت آباط الإبل من البصرة لغير حاجة ولا ضرورة. قال: لله علي، لا دخلت عليك أبداً، فقال: يا أبا هارون، أقلني، قال: أنت بدأت بالمسألة ولو سكت لسكت، ثم انصرف عنه ولم يعد إليه بعدها.
وقال يونس: قال لي الشافعي: دخلت بغداد؟ فقلت: لا، فقال: ما رأيت الدنيا، ولا رأيت الناس.. وتوفي يونس بمصر، ودفن بالقرافة.