وبسطام بفتح الموحدة وسكون السين وبالطاء المهملتين وبعد الألف ميم بلدة مشهورة من أعمال قومس. ويقال أنه أول بلاد خراسان من جهة العراق والله أعلم ومن جلالته وعظم هيبته قضية مشهورة مع الشاب الذي قال له أبو تراب: لو رأيت أبا يزيد وقد ذكرتها في غير هذا الكتاب ومختصرها أنه لما رآه وقد خرج من غيضة مات الشاب، فقال أبو تراب لأبي يزيد: قتلت صاحبنا. فقال: لا، بل كان صاحبكم صادقاً، وكان مستوراً عنه حاله، فلما رآنا تجلى له حاله في مرآتنا، فلم يطق حمل بطاقة فمات. فقال أبو يزيد: أقمت في الزهد ثلاثة أيام، زهدت في اليوم الأول في الدنيا، وزهدت في اليوم الثاني في الآخرة، وزهدت في اليوم الثالث فيما سوى الله تعالى.
وفي السنة المذكورة توفي الإمام الحافظ مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، أحد أركان الحديث، وصاحب الصحيح وغيره. ومناقبه مشهورة، وسيرته مشكورة. رحل إلى العراق والحجاز والشام ومصر، وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري، وأحمد بن حنبل. وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن مسلمة القعنبي وغيرهم، وقدم بغداد غير مرة، وروى عنه أهلها، وروي عنه أنه قال: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. وقد اختلف أئمة الحديث المتأخرون في تفضيل الصحيحين، فالأكثرون منهم فضلوا صحيح البخاري على صحيح مسلم، وبعضهم فضلوا صحيح مسلم، حتى قال أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث. قلت: والمعروف أن كتاب البخاري أفقه، وكتاب مسلم أحسن سياقاً للروايات.
وقال الخطيب البغدادي: كان مسلم يناضل البخاري حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى الذهلي بسببه، وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ: لما استوطن البخاري بنيسابور أكثر مسلم من الإختلاف إليه، فلما وقع بين محمد بن يحيى والبخاري ما وقع في مسألة اللفظ نادى عليه، ومنع الناس من الإختلاف إليه حتى هجر وخرج من نيسابور. في تلك المحنة قطعه أكثر الناس غير مسلم، فإنه لم يتخلف عن زيارته، فأنهي إلى محمد بن يحيى أن مسلم بن الحجاج على مذهبه قديماً وحديثاً لم يرجع عنه. فقال: في مجلسه إلا من قال باللفظ: فلا يحل له أن يحضر مجلسنا. وأخذ مسلم الرداء فوق عمامته، وقام على رؤوس الناس، وخرج من مجلسه. وجمع كل ما كان كتب منه، وبعث به على ظهر حمال إلى باب محمد بن يحيى، فاستحكمت بذلك الوحشة، وتخفف عنه وعن زيارته.