أربع وأربعين ومائتين

فيها وقيل في سنة ست وأربعين ومائتين مات دعبل " بكسر الدال وسكون العين المهملين وكسر الموحدة وبعدها لام " ابن علي الخزاعي الشاعر المشهور، يرجع في نسبه إلى عامر بن مريقياً، كان شاعراً مجيداً بذيء اللسان، مولعاً بالهجو والحط من أقدار الناس. هجا الخلفاء فمن دونهم، وعمل في إبراهيم بن المهدي أبياتاً من جملتها:

ثغر ابن شكلة بالعراق وأهله ... فهقاً إليه كل أطلس مائق

يقال: فلان أحمق مائق إذا كان فيه حمق وغباوة، والأطلس الذي لا لحية له. فدخل إبراهيم على المأمون فشكا إليه حاله وقال: يا أمير المؤمنين، هجاني دعبل فانتقم لي منه فقال: ما قال لعل قوله: " ثغر ابن شكلة بالعراق وأهله "، وأنشد الأبيات فقال: هذا من بعض هجائه وقد هجاني بما هو أقبح من هذا: فقال المأمون لك أسوة بي فقد هجاني واحتملته وقال في:

أيسومني المأمون حظة جاهل ... أو ما رأى بالأمس رأس محمد

إني من القوم الذين سيوفهم ... فللت أخاك وشرفتك بمقعد

سادوا لذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد

فقال إبراهيم: زادك الله حلماً يا أمير المؤمنين وعلماً، فما ينطق أحدنا إلا عن فضل علمك ولا يحلم إلا اتباعاً لحلمك، وأشار دعبل في هذه الأبيات إلى قضية طاهر بن الحسين الخزاعي وحصاره بغداد وقتله الأمير محمد بن الرشيد، وبذلك ولي المأمون الخلافة، ودعبل خزاعي فهو منهم، وكان المأمون إذا أنشد قوله هذا يقول: قبح الله دعبلاً ما أوقحه، كيف يقول علي هذا وقد ولدت في الخلافة ورضعت ثديها وربيت في مهدها؟ ومن شعره في الغزل:

لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى

يا ليت شعري كيف نومكما ... يا صاحبي إذا دمي سفكا

لا تأخذا بظلامتي أحداً ... قلبي طرفي في دمي اشتركا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015