بالذنوب الموبقات، فقال: قلت: يا رب، ما هكذا بلغني عنك. قال: وما الذي بلغك عني؟ قلت: العفو والكرم، قال: صدقت، أدخلوه الجنة أو كما قال.

ولما ذكرت هذه الحكاية عند ولد له وكيل أيضاً في الخصومات قال: نعم وهو وكيل ما يعجزه الجواب يعني أباه ما أجاب به. قلت: وكلامه هذا، إن كان مزاحاً فهو قبيح، وإن كان جداً فباطل غير صحيح، لأن الثبات في الآخرة ليس إلا بتوفيق الله، وما ينعم به من نوال لا بفصاحة اللسان وما يعرفه الإنسان في الدنيا من الجدال. نعوذ بالله من الإغترار والزيغ والضلال.

ثلاث وأربعين ومائتين

فيها توفي الشيخ الكبير العارف معدن الأسرار والحكم والمعارف وإمام الطريقة ولسان الحقيقة الحارث بن أسد المحاسبي " بضم الميم " البصري الأصل، ممن اجتمع له علم الظاهر والباطن، والفضائل الفاخرة، وجميل المحاسن. وله تصانيف في السلوك والمواعظ والأصول. ومن كتبه المشهورة النفيسة " كتاب الرعاية "، ومن دقيق ورعه أنه ورث من أبيه سبعين ألف درهم، فلم يأخذ منها شيئاً لأن أبان كان يقول بالقدر. قال: وقد صحت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " لا يتوارث أهل ملتين شتى "، ومات وهو محتاج إلى درهم، خلف أبوه ضياعاً وعقاراً، فلم يأخذ منه شيئاً.

ومن المشهور أنه كان محفوظاً إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة يتحرك في إصبعه عرق، فيمتنع من تناوله، وكان يقول: فقدنا ثلاثة أشياء: حسن الوجه مع صيانة، وحسن القبول مع الأمانة، وحسن الإخاء مع الوفاء. وهو أحد شيوخ الجنيد.

وقيل له المحاسبي: لكثرة محاسبة نفسه، وهو من الخمسة الشيوخ الجامعين بين علم الظاهر والباطن في عصر واحد، وهم: " هو " و " أبو القاسم الجنيد "، و " أبو محمد رويم "، و " أبو العباس عطاء "، و " عمرو بن عثمان المكي " رحمهم الله تعالى.

وفيها توفي الفقيه الإمام أبو حفص حرملة بن يحيى التجيبي المصري الحافظ مصنف " المختصر والمبسوط " رحمه الله، روى عن ابن وهب مائة ألف حديث، وتفقه بالإمام الشافعي، قيل: وكان أكثر أصحابه اختلافاً إليه واقتباساً منه و " التجيبي ": بضم المثناة من فوق وكسر الجيم وسكون الياء المثناة من تحت وبعدها موحدة. نسبة إلى امرأة نسبت أولادها إليه.

وفيها توفني إبراهيم بن عباس الصولي الشاعر المشهور، كان من الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر، كله نحت وهو صغير، ومن رقيق شعره:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015