القاسم، فعرضها عليه، فاصلح فيها مسائل وحررها، ثم رجع بها إلى القيروان، وعلى نسخته يعتمدون. ولقب سحنوناً باسم طائر وحديد في المغرب يسمونه بذلك لحدة ذهنه وذكائه، أخذ عن أبي القاسم وابن وهب وأشهب.
وفيها توفي عبد العزيز بن يحيى الكناني المكي صاحب " كتاب الجيدة " سمع من سفيان بن عيينة، وناظر بشر المريسي فقطعه، وهو معدود من أصحاب الشافعي.
فيها توفي إمام المحدثين في عصره السيد الكبير فريد دهره، ذو العلم والعمل والحق والتحقيق والزهد الصادق والورع الدقيق، المعظم المبجل أحمد بن حنبل الشيباني المروزي الأصل رضي الله تعالى عنه خرج من جماعة من الكبار، ورحل إلى اليمن وسمع من الإمام الحافظ عبد الرزاق في صنعاء، والإمام إبراهيم بن الحكم في عدن وغيرهما من شيوخ اليمن. وقيل: كان يحفظ ألف ألف حديث، وكان من أصحاب الإمام الشافعي وخواضه والمحبين له والمعتقدين فضله والمعظمين قدره والمبجلين محله. وقد تقدم في ترجمة الشافعي الإشارة إلى تفخيم الإمام أحمد له.
وكذلك كان الشافعي يفخمه، ولما ارتحل إلى مصر قال في حقه: خرجت من بغداد، وما خلفت بها أتقى ولا أفقه من ابن حنبل، ودعي بعد وفاة الشافعي لست عشرة سنة إلى خلق القرآن فلم يجب، وضرب فصبر مصراً على الإمتناع، وكان ضربه في العشر الأخير من شهر رمضان سنة عشرين ومائتين، أخذ عنه الحديث جماعة من الأماثل، منهم الإمامان الحافظان قدوتا المحدثين، محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، ولد سنة أربع وستين ومائة " وتوفي " ضحى نهار الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وقيل: بل لثلاث عشرة بقين من الشهر المذكور، وقيل من ربيع الآخر، ودفن بمقبرة باب حرب، وقبره مشهور يزار رحمة الله عليه، وحزر من حضر جنازته من الرجال فكانوا ثمان مائة ألف، ومن النساء ستين ألفاً، وقيل: إنه أسلم يوم مات عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس.
قلت: فإن صح ذلك فإسلامهم يحتمل سببين: أحدهما: أن يكون ذلك لكثرة من رأوا من الخلائق مجتمعين على فضله وتعظيمه والصلاة عليه والأسف على فراقه.
والثاني: أن يكون بعضهم رأى آية، كما رأى بعض اليهود في جنازة سهل بن عبد الله، وهي أنه لما نظر إلى جنازته قال: أترون ما أرى. قالوا: وما ترى؟ قال: أرى أقواماً ينزلون،