المؤمنين، إن الله تعالى يسألك عن النظر في أقصى رعيتك كما يسألك عن النظر في أدناها، ولم يزل يرفق به حتى أطلقها.
وقال الحسين بن الضحاك الشاعر المشهور لبعض المتكلمين: ابن أبي دؤاد عندنا لا يعرف اللغة، وعندكم لا يحسن الكلام، وعند الفقهاء لا يدري الفقه، وهو عند المعتصم يعرف هذا كله.
وكان إبتداء أمر ابن أبي دؤاد بالمأمون أنه قال: كنت أحضر مجلس القاضي يحيى بن أكثم مع الفقهاء، وكنت عنده يوماً إذ جاء رسول المأمون وقال له: يقول لك أمير المؤمنين، إلينا أنت وجميع من معك من أصحابك. فلم يحب أن أحضر معه، ولم يستطع أن يؤخرني، فحضرت مع القوم، فتكلمت بحضرة المأمون، فأقبل المأمون ينظر إلي إذا شرعت الكلام، ويتفهم ما أقول، ويستحسنه، ثم قال لي: من تكون؟ فانتسبت له، فقال: ما أخرك عنا؟ فكرهت أن أحيل على يحيى، فقلت: حبس القدر وبلوغ الكتاب أجله. فقال: لا أعلمن يكون لنا مجلس إلا حضرته، قلت: نعم يا أمير المؤمنين، ثم اتصل الأمر.
وقيل: قدم يحيى بن أكثم قاضياً على البصرة من خراسان من قبل المأمون في آخر سنة
ومائتين وهو حدث، سنة نيف وعشرون سنة، فاستصحب جماعة من أهل العلم والمروءات منهم: ابن أبي دؤاد، فلما قدم المأمون بغداد في سنة أربع ومائتين قال ليحيى بن أكثم: اختر لي من أصحابك جماعة ليجالسونني، فاختار منهم عشرين، معهم ابن أبي داود. ثم قال اختر منهم خمسة فيهم ابن أبي دؤاد، واتصل أمره وأسند المأمون وصيته الموت إلى أخيه المعتصم، وقال فيها: وأبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد لا يفارقك، في المشورة في كل أمر، فإنه موضع ذلك، ولا تتخذن بعدي وزيراً. ولما ولي المعتصم الخلافة جعل ابن أبي دؤاد قاضي القضاة، وعزل يحيى بن أكثم، وخص به أحمد، كان لا يفعل فعلاً باطناً ولا ظاهراً إلا برأيه، وامتحن ابن أبي دؤاد الإمام وألزمه، وأطلق القول بخلق القرآن الكريم، وذلك في شهر رمضان من سنة عشرين ومائتين. قلت: في الأصل المنقول منه " ألزم الإمام وأطلق " وكأنه يعني الإمام أحمد ومعلوم أن الإمام أحمد لم يلتزم ذلك، ولا وافق عليه مع ما ناله من المكروه والضرر كما سيأتي في ترجمته.
ولما مات المعتصم وتولى بعده الواثق بالله حسنت حال ابن أبي دؤاد عنده، ولما مات وتولي أخوه المتوكل فلج ابن أبي دؤاد يعني، أصابه المرض المعروف بالفالج،، وذهب شقه الأيمن، فقلد المتوكل ولده محمد بن أحمد القضاء مكانه، ثم عزل محمد بن أحمد عن المظالم، وقلد يحيى بن أكثم، وكان الواثق قد أمر أن لا يرى أحد من الناس الوزير محمد بن عبد الملك الزيات إلا قام له، وكان ابن أبي دؤاد إذا رآه قام واستقبل القبلة