فيها ألزم المتوكل جميع النصارى لبس الحلي فيميزوا به.
وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم بن مالك التيمي الموصلي النديم. وكان رأساً في صناعة الطرب والموسيقى أديباً شاعراً أخبارياً عالماً ظريفاً نافق السوق عند الخلفاء إلى الغاية، وأول من سمعه المهدي، ولم يكن في زمانه مثله في الغناء واختراع الألحان، وكان من العلماء باللغة والأشعار وأخبار العرب والشعراء وأيام الناس. ذو فضائل جمة، وكان له يد طولى في الفقه والحديث وعلم الكلام.
قال محمد بن عطية الشاعر: كنت في مجلس القاضي يحيى بن كثم، فوافى إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وأخذ يناظر أهل الكلام حتى اتصف منهم، ثم تكلم في الفقه فأحسن، وقاس واحتج، وتكلم في الشعر واللغة، ففاق من حضر، ثم أقبل على القاضي يحيى بن كثم فقال له: أعز الله القاضي، في شيء مما ناظرت فيه وحكيت نقص أو مطعن؟. قال: لا، قال: فما بالي أقوم بسائر هذه العلوم قيام أهلها، وأنسب إلى فن واحد قد اقتصر الناس عليه يعني الغناء! قال ابن عطية المذكور: فالتفت إلي القاضي يحيى وقال: الجواب في هذا عليك، وكان الراوي المذكور من أهل الجدل، فقال للقاضي يحيى: نعم أعز الله القاضي، الجواب علي. ثم أقبل على إسحاق وقال: يا أبا محمد، أنت كالفراء والأخفش؟. فقال: لا، فقال: أنت في اللغة ومعرفة الشعر كالأصمعي وأبي عبيدة؟. قال: لا، قال: فأنت في علم الكلام كأبي يزيد العلاف والنظام البلخي؟ قال: لا، قال: أنت في الفقه كالقاضي؟ وأشار إلى القاضي يحيى قال: لا، قال فأنت في قول الشعر كأبي العتاهية وأبي نواس؟ قال: لا، قال: فمن ها هنا مشيت إلى ما مشيت إليه، لأنه لا نظير لك فيه، وأنت في غيره دون رؤساء أهله فضحك وقام وانصرف، فقال القاضي لابن عطية: لقد وفيت الحجة حقها. وفيها ظلم قليل لإسحاق، وإنه ممن يقل في الزمان نظيره.
وذكر أبو المجد الموصلي أن إسحاق بن إبراهيم المذكور كان مليح المحاورة والنادرة، ظريفاً فاضلاً، كتب الحديث عن سفيان بن عيينة ومالك بن أنس، وهشيم بن بشير، وأبي معاوية الضرير، وأخذ الأدب عن الأصمعي وأبي عبيدة، وبرع في علم الغناء، فغلب عليه ونسب إليه، وكان الخلفاء يكرمونه ويقربونه، وكان المأمون يقول: لولا سبق لإسحاق على ألسنة الناس. واشتهر بالغناء لوليته القضاء، فإنه أولى وأعف وأصدق وأكثر