فجع القريض بخاتم الشعراء ... وغريد روضها حبيب الطائي

ماتا معاً فتجاورا في حفرة ... وكذاك كانا قبل في الأخباء

ورثاه محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم بقوله:

نبأ أتى من أعظم الأنباء ... لما ألم مقلقل الأحشاء

قالوا: حبيب قد توى، فأجبتهم ... ناشدتكم، لا تجعلوه الطائي

وفيها توفي إمام اللغة محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي من موالي بني العباس، وقيل: من موالي بني شيبان، والأول أصح، وكان راوية الأشعار واللغة، أخذ الأدب عن أبي معاوية الضرير والمفضل الضبي والكسائي وأخذ عنه من الأئمة: إبراهيم الحربي وثعلب وابن السكيت. وغيرهم، وناقش العلماء، واستدرك عليهم، وخطأ كثيراً من نقلة اللغة، وكان يزعم أن الأصمعي وأبا عبيدة لا يحسنان شيئاً، وكان يحضر مجلسه خلق كثير من المستفيدين.

قال ثعلب: كان يحضر مجلسه زهاء مائة إنسان، وكان يسأل ويقرأ عليه، فيجيب من غير كتاب، ولزمته بضع عشرة سنة، ما رأيت بيده كتاباً قط، ولقد أملى على الناس ما يحمل على أحمال، ولم ير أحد في علم الشعر أغزر منه، وله من التصانيف بضع عشر مصنفاً، منها كتاب النوادر، وكتاب الخيل، وكتاب تفسير الأمثال، وكتاب معاني الشعر.

ورأى يوماً في مجلسه رجلين يتحادثان، فقال لأحدهما: من أين أنت؟. فقال: من اسبيجاب " بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وكسر الموحدة وسكون المثناة من تحت وقبل الألف جيم وبعدها موحدة "، مدينة في أقصى بلاد الشرق، وسأل الآخر فقال: من الأندلس وهي معروفة في أقصى بلاد المغرب، فتعجب من ذلك وأنشأ:

رفيقان شتى، ألف الدهر بيننا ... وقد يلتقي الشتاء فيما تلقان

ثم أملى على من حضر مجلسه بقية الأبيات وهي:

نزلنا على قيسية يمنية ... لها نسب في الصالحين هجان

فقالت وأرخت جانب الستر بيننا ... من أية أرضي أمنا الرجلان؟

فقلت لها: أما رفيقي فقوم ... تميم، وأما أسرتي فيمان

رفيقان شتى ألف بيننا ... وقد يلتقي الشتاء فيما تلقان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015