هذا الكتاب، قال: ورمى به إلي، وقال: هذا الكتاب من عمرو بن مسعده إلي، فإذا فيه كتابي إلى أمير المؤمنين، ومن قبلي من قواده وسائر أخياره في الأنقياد والطاعة على أحسن ما يكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم وانقياد كفاة تراخت عطياتهم، واختلت، كذلك أحوالهم، والثابت معهم أمورهم، فلما قرأته قال: إن استحساني إياه بعثني على أن أمرت للجند بعطياتهم بسبعة أشهر، وأنا على مجازاة الكاتب لما يستحقه من جل محله في صياغته أو صناعته.
وفيها توفي الأخفش الأوسط، إمام العربية، أبو الحسن سعيد بن مسعدة النحوي البلخي المجاشعي، أحد نحاة البصرة.
وأما الأخفش الأكبر فهو أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد، وكان نحوياً لغولاً، وله ألفاظ لغوية انفرد بها عن العرب، وعنه أخذ أبو عبيدة وسيبويه وغيرهما، فمن في طبقتهما، ووقت وفاته مجهول فلهذا لم يفرد بترجمة.
وأما الأخفش الأصغر، وهو أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي النحوي، أخذ عن ثعلب والمبرد، وسيأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في سنة خمس عشرة وثلاث مائة، فبين موت أخفش الأوسط الأصغر مائة سنة، والأوسط المذكور كان من أئمة العربية، أخذ النحو عن سيبويه، وكان يقول: ما وضع سيبويه في كتابه شيئاً إلا وعرضه علي، وكان يرى أنه أعلم مني وأنا اليوم أعلم به، وهذا الأخفش المذكور، وهو الذي زاد في العروض واحداً من البحر على ما وضعه الخليل المشهور.
وحكى أبو العباس ثعلب عن أبي سعيد بن سلمة قال: دخل الفراء على سعيد بن مسعدة المذكور، فقال لنا: جاءكم ممتد أهل اللغة العربية، فقال الفراء: أما ما دام الأخفش يعيش فلا، وللأخفش المذكور عدة تصانيف، منها " الكتاب الأوسط " في النحو و " كتاب تفسير معاني القرآن "، و " كتاب الإشتقاق "، و " كتاب العروض "، و " كتاب القوافي "، و " كتاب معاني الشعر "، و " كتاب الملوك "، و " كتاب الأصوات "، و " كتاب المسائل الكبير "، و " كتاب المسائل الصغير " وغير ذلك، وكان أخلع " وهو الذي لا تنضم شفتاه على أسنانه "، " والأخفش " هو الصغير العينين مع سوء بصرهما، وكان يقال له الأخفش الأصغر حتى ظهر علي بن سليمان المعروف بالأخفش الأصغر فصار هذا وسطاً " ومسعدة " بفتح الميم وسكون السين وفتح الدال والعين المهملات وبعدهن هاء ساكنة " والمجاشعي " بضم الميم وقبل الألف جيم وبعدها شين معجمة مكسورة مهملة ثم عين ثم ياء النسبة إلى