الجزيرة حتى توسط البلدان الشاميات، فظفروا به فأخذوه وحملوه مقيداً إلى المأمون، فلما صار بين يديه قال له: يا ابن اللخناء أنت القاتل في قصيدتك للقاسم بن عيسى، يعني أبا دلف " كل من في الأرض من عرب "، وأنشد البيتين، جعلنا ممن يستعير المكارم والإفتخار به. قال: يا أمير المؤمنين، أنتم أهل بيت لا يقدس بكم، لأن الله تعالى أحبكم لنفسه على عباده، وآتاكم الكتاب والحكم ملكاً عظيماً، وإنما ذهبت في قولي إلى أقران القاسم بن عيسى من هذه الناس وأشكاله، قال: والله ما أبقيت أحداً، ولقد أدخلتنا في الكل، وما استحل دمك بكلمتك هذه، ولكن استحله بكفرك في شعر، حيث قلت في عبد ذليل مهين، فأشركت بالله العظيم، وجعلت معه ملكاً قادراً، وهو قولك:
أنت الذي تنزل الأيام منزلها ... وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد ... إلا قضيت بأرزاق وآجال
ذاك الله عز وجل يفعله، أخرجوا لسانه من قفاه، فمات، وذكره صاحب كتاب الأغاني، كما ذكر ابن المعتز في قضيته مع المأمون.
قال ابن خلكان: ورأيت في " كتاب البارع " في أخبار الشعراء المولدين تأليف ابن المنجم هذين البيتين لخلف بن مرزوق مولى علي بن ريطة والله أعلم بالصواب مع بيت ثالث وهو:
تزور سخطاً فتمسي البيض راضية ... ويستهل فتبكي أعين المال
لقد أبدع في هذا البيت بمدحه جامعاً وصفين محمودين عند العرب مع حسن صنيعه في كليهما، وهما الشجاعة والكرم، فالشجاعة في قوله: " تزور سخطاً فتمسي البيض راضية "، يعني: يقصد الأعداء فتمسي السيوف راوية بدمائهم، فكنى عن ربها برضائهما والكرم في قوله: " ويستهل فتبكي أعين المال " يعني: يضحك استبشاراً بالضيفان، فيعقر ويذبح لهم السمان، وفي ضمن ذلك بكاؤها بما عرض لها من الأحزان.
ومن مدحه لحميد:
ويكفي سابهن الدنيا حميد ... فقد أضحوا له فيها عيالاً
كأن أباه آدم حين أوصى ... إليه أن يعولهم فعالاً
ولما مات حميد المذكور في يوم عيد الفطر سنة عشر ومائتين رثاه بقصيدة من جملتها:
فآدابنا ما أدب الناس قبلنا ... ولكنه لم يبق للصبر موضع