عشرة أوراق بدرهم، وقال لأصحابه: اجتمعوا حتى أملي عليكم كتاباً في القرآن، فلما حضروا أمر قارئاً أن يقرأ فاتحة الكتاب، فقرأها ففسرها حتى مر في القرآن كله على ذلك.
وكتابه المذكور نحو ألف ورقة، وهو كتاب لم يعمل مثله.
وكان المأمون قد وكله يلقن ابنيه النحو، فلما كان يوما أراد النهوض لبعض حوائجه، فابتدرا إلى نعليه، أيهما يسبق بتقديم النعلين إليه، فتنازعا ثم اصطلحا، على أن يقدم كل واحد منهما نعل إحدى رجليه، وكان للمأمون على كل شيء صاحب خبر برفع الخبر إليه، فأعلمه بذلك، فاستدعى بالفراء وقال له: من أعز الناس؟ قال ما أعز من أمير المؤمنين، قال: بلى، من إذا نهض يقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، قال: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما عن ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها، أو كسر نفوسهما عن شريعة حرصًا عليها. وقد روي عن ابن عباس، أنه أمسك للحسن والحسير رضي الله تعالى عنهم ركابيهما حين خرجا من عنده، فقيل له في ذلك، فقال: لا يعرف الفضل إلا أهل الفضل، فقال المأمون لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوماً وعتباً، وألزمتك ذنباً، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما، وبين عن جوهرهما، فليس يكسر الرجل وإن كان كبيراً عن ثلاث: عن تواضعه بسلطانه، ووالده ومعلمه، وقد عوضتهما مما فعلاه عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما.
وقال الخطيب: كان محمد بن الحسن الفقيه ابن خالة الفراء، فقال الفراء يوماً له، قل رجل أمعن النظر في باب من العلم، فأراد غيره، إلا سهل عليه، فقال له محمد: يا أبا زكريا، قد أمعنت النظر في العربية، فنسألك في باب من الفقه، فقال: هات على بركة الله، قال: ما تقول في رجل سها في السجود السهو؟ ففكر الفراء ساعة ثم قال: لا شيء عليه، فقال له: ولم؟ فقال: لأن المصغر لا يصغر ثانياً، وإنما السجدتان تمام الصلاة، فليس للتمام تمام، فقال محمد: ما ظننت آدمياً يلد مثلك. قلت: وهذه الحكاية مذكورة في ترجمة الكسائي، وإنه هو صاحب هذا الجواب، والله تعالى أعلم.
وقال سلمة بن عاصم: إني لأعجب من الفراء، كيف كان يعظم الكسائي وهو أعلم بالنحو منه، وقال الفراء: أموت، وفي نفسي شيء من " حتى "، لأنها تخفض وترفع وتنصب، وله من التصانيف كتاب الحدود، وكتاب المعاني، وكتابان في المشكل، وكتاب اللغات، وكتاب المصادر في القرآن، وكتاب الوقف والإبتداء، وكتاب النوادر، وكتب أخرى.
وقال سلمة بن عاصم: أملى الفراء كتبه كلها حفظاً، لم يأخذ بيده نسخة إلا في كتابين: كتاب ملازم وكتاب نافع، وإنما قيل له الفراء ولم يكن يعمل الفراء ولا يبيعها