شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأوصاني إلى ترك المعاصي
وعلله بأن العلم فضل ... وفضل الله لا يحويه عاصي
قال يحيى بن أكثم: صحبت وكيعاً، وكان يصوم الدهر، ويختم القرآن كل ليلة، وقال أحمد: ما رأت عيني مثل وكيع.
وفيها توفي الإمام أحد الأئمة الأعلام عبد الله بن وهب الفهري مولاهم الفقيه المالكي المصري، صحب الإمام مالك عشرين سنة، وصنف الموطأ الكبير والموطأ الصغير، وقال أحمد بن صالح: حدث بمائة ألف حديث، وقال مالك في حقه: عبد الله بن وهب إمام، وكان مالك يكتب إليه إذا كتب في المسائل: الى عبد الله بن وهب المفتي، ولم يكن يفعل هذا مع غيره. وذكر ابن وهب وابن القاسم عند الامام مالك فقال: ابن وهب عالم وابن القاسم فقيه، وقال يونس بن عبد الأعلى: كتب الخليفة إلى عبد الله بن وهب في قضاء مصر، فخير نفسه ولزم بيته، فاطلع عليه بعضهم يوماً وهو يتوضأ في صحن داره، فقال له ألا تخرج الى الناس فتقضي بينهم بكتاب الله وسنة رسوله؟ فرفع إليه رأسه وقال: الى هاهنا انتهى عقلك أما علمت أن العلماء يحشرون مع الأنبياء والقضاة مع السلاطين، وكان صالحاً جامعاً بين الفقه والرواية والعبادة، وله تصانيف معروفة، وسبب موته أنه قرىء عليه كتاب الأهوال من جامعه فأخذه شيء كالغشيان، فحمل إلى داره فلم يزل كذلك إلى أن قضى نحبه، رحمه الله.
فيها ظفر طاهر بن الحسين بعد أمور يطول شرحها بالأمين فقتله، وصلب رأسه رمح، وكان مليحاً أبيض اللون جميل الوجه طويل القامة، عاش سبعاً وعشرين سنة، واستخلف ثلاث سنين وأياماً، وخلع في رجب سنة ست وتسعين، وحارب سنة ونصفاً، وهو ابن زبيدة بنت جعفر بن المنصور. وفي أول رجب منها توفي شيخ الحجاز وأحد الأعلام أبو محمد سفيان بن عييبة الهلالي مولاهم الكوفي الحافظ نزيل مكة، وله أحد وتسعون سنة، وحج سبعين حجة، قال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، وقال ابن وهب: لا أعلم أحداً أعلم