والله ما أهديت إلي أحب إلي منه. وفي بعض التواريخ أن الجاحظ لما وصل إلى ابن الزيات بكتاب سيبويه أعلمه به قبل إحضاره إليه، فقال له ابن الزيات: او ظننت أن خزائننا خالية من هذا الكتاب؟ فقال الجاحظ: ما ظننت ذلك، ولكنها بخط الفراء ومقابلة الكسائي وتهذيب عمرو بن بحر الجاحظ، يعني نفسه، فقال ابن الزيات: هذه أجل نسخة توجد وأعزها، فأحضرها إليه، فسر بها، وقعت منه أجل موقع. أخذ سيبويه النحو من الخليل بن أحمد وعن عيسى بن عمرو ويونس بن حبيب وغيرهم، وأخذ اللغة عن أبي الخطاب المعروف بالأخفش الأكبر وغيره. وقال ابن النطاح: كنت عند الخليل بن أحمد فأقبل سيبويه فقال الخليل مرحباً بزائر لا يمل. قال أبو عمرو المخزومي، وكان كثير المجالسة للخليل: ما سمعت الخليل يقولها لأحد إلا سيبويه، وكان قد ورد إلى بغداد من البصرة والكسائي يومئذ يعلم الأمين بن هارون الرشيد، فجمع بينهما وتناظرا وجرى مجلس يطول شرحه، وزعم الكسائي أن العرب تقول كنت أظن أن الزنبور أشد لسعة من النحلة، فإذا هو إياها، فقال سيبويه: ليس المثل كذا، بل فإذا هو هي، وتشاجرا طويلاً واتفقا على مراجعة عربي خالص لا يشوب كلامه شيء من كلام الحضر، وكان الأمين شديد العناية بالكسائي لكونه معلمه، فاستدعى عربياً وسأله، فقال كما قال سيبويه، فقال له يزيد أن يقول كما قالى الكسائي، فقال: ان لساني لا تطاوعني على ذلك، فانه ما يسبق إلا على الصواب، فقرروا معه: ان شخصاً يقول قال سيبويه كذا وقال الكسائي كذا فالصواب مع من منهما؟ فيقول العربي مع الكسائي، فقال هذا يمكن، ثم عقد لهما المجلس واجتمع أئمة هذا الشأن وحضر العربي، فقيل له ذلك، فقال: الصواب مع الكسائي، وهو كلام العرب، فعلم سيبويه أنهم تحاملوا عليه وتعصبوا للكسائي، فخرج من بغداد وقد حمل في نفسه لما جرى عليه، وقصد بلاد فارس، فتوفي بقرية من قرى شيراز، يقال لها البيضاء، وقيل بل توفي بالبصرة، وقيل بل بمدينة ساوة. وفي السنة التي توفي فيها وفي مقدار عمره خلاف كثير، والذي ذكره الحافظ أبو الفرج بن الجوزي أنه توفي في السنة المذكورة وعمره اثنتان وثلاثون سنة، قيل وكان قلمه أبلغ من لسانه، وهو أثبت من حمل عن الخليل، وقال أبو زيد الأنصاري: كان سيبويه غلاما يأتي مجلسي وله ذوابتان وإذا سمعته يقول حدثني من أثق به فإنما يعينني، وقال إبراهيم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015