أخذها وسبى أهلها، وكان مقامه عليها شهراً وبلغ السبي من قبرس سته عشر الفاً، وكان فيهم اسقف قبرس، فنودي عليه فبلغ ألفي دينار وبعث تقفور جزية عن رأسه وامرأته وخواصه، وكان ذلك خمسين ألف دينار، واشترط عليه الرشيد أن لايعمر هرقلة، وأن يحمل في العام ثلاث مائة ألف دينار، وكتب تقفور إليه أما بعد فلي إليك حاجة أن تهب لابني جارية من سبي هرقلة كنت خطبتها له فاستعفني بها فأحضر الرشيد الجارية فزينت، وأرسل معها سرداقاً وتحفاً فأعطى تقفور للرسول خمسين ألفاً وثلاث مائة ثوب وبراذين وبزاة. وفيها توفي أبو عبيدة الحداد البصري. وعبيدة بن حميد الكوفي الحذاء الحافظ، وكان صاحب قرآن وحديث ونحو، ادب الأمين بعد الكسائي. وفيها توفي حميد بن عبد الرحمن الرواسي الكوفي، ويحيى بن خالد البرمكي توفي في سجن الرشيد، وبرمك من مجوس بلخ ولا يعلم هل أسلم أم لا قلت: ولأجل كون أصلهم مجوسياً أتهم الرشيد جعفر على ما حكي أنه استشاره في هدم إيوان كسرى، فأشارعليه بترك ذلك، فما طاب ذلك على هارون، وظن أنه أراد بها مشرف آثار المجوس، وربما قيل إنه شافهه بذلك مبكتاً له، فقال له: اهدموا فلم شرعوا في هدمه صعب الهدم، وتعسر لقوة أحكام بنائه، فاستشاره ثانياً في ترك الهدم، فأشار عليه بأن لا يترك ما شرع فيه من الهدم، فقال له: سبحان الله، اشرت أولاً بترك الهدم وأشرت ثانياً بالهدم، فقال ما معناه: اني إنما أشرت بترك الهدم ليعرف شرف الإسلام وعلوه وقوة تأييده كل من رأى تلك الآثار التي ظهر عليها الإسلام وأذل أهلها وأزال ملكهم الذي زواله لا يرام وعزة لا يضام، فلما لم تقبل مشورتي وشرعتم في هدمه واستشرتني في ترك ذلك، اشرت عليك بعدم الترك لئلا يدل ذلك على ضعف الإسلام، ويقال: عجز المسلمون عن هدم ما بناه المخالفون لدينهم، فعند ذلك عرف صواب رأيه وغزارة عقله، وقد كان غرم على هدم قطعة يسيرة أموالاً كثيرة. رجعنا إلى ذكر أولاد برمك: وساد ابنه خالد، وتقدم في الدولة العباسية، وتولى الوزارة لأبي العباس السفاح، وقال أبو الحسن المسعوعي في كتاب مروج الذهب: لم يبلغ مبلغ خالد بن برمك أحد من ولده في جوده ورأيه وبأسه وعلمه وجميع حاله، لا يحيى في رأيه ووفور عقله، ولا الفضل بن يحيى في جوده ونزاهته، ولا جعفر في كتابته وفصاحة لسانه، ولا محمد بن يحيى في شرفه وبعد همته، ولا موسى في شجاعته وبأسه.