بالوعد المرة بعد المرة حتى علمت أنه قد اشتاق اليها، فأرسلت إلى العباسة أن تهيىء الليلة ففعلت، وأدخلت على جعفر، وكان لا يثبت صورتها لأنه كان عند الرشيد لا يرفع طرفه إليها مخافة، فلما قضى منها وطره قالت له: كيف رأيت خديعة بنات الملوك؟ فقال: وأي بنت ملك أنت؟ فقالت: انا مولاتك العباسة، فطاش عقله، وأتى إلى أمه، فقال لها: بعتني والله رخيصاً، وحملت العباسة منه، وجاءت بولد، فوكلت به غلاماً ما اسمه رياش، وحاضنة يقال لها مرة، ولما خافت ظهور الأمر بعثتهم إلى مكة، وكان أبو جعفر يحيى بن خالد ناظراً على قصر الرشيد وحرمه، ويغلق أبواب القصر وينصرف بالمفاتيح معه حتى ضيق على حرم الرشيد، فشكته زبيدة إلى الرشيد، وكان الرشيد يدعوه أبا فقال له: يا أبة الزبيدة تشكوك، فقال: امتهوم أنا في حرمك يا أمير المؤمنين؟ قال: لا. قال: فلا تقبل قولها علي، وازداد يحيى عليها غلظة وتشديداً، فقالت زبيدة للرشيد مرة أخرى في شكوى يحيى، فقال الرشيد لها: يحيى عندي غير متهم في حرمي، فقالت لم لم يحفظ ابنه مما ارتكبه؟ قال: وما هو؟ فخبرته بخبر العباسة، فقال: وهل على هذا دليل؟ قالت: وأي دليل أدل من الولد؟ قال: وأين هو؟ قالت: كان هنا نقلاً، فلما خافت ظهوره وجهته إلى مكة، قال: فهل علم بذلك سواك؟ فقالت: ليس بالقصر جارية إلا وقد علمت به، فسكت عنها وأظهر إرادة الحج، فخرج ومعه جعفر، فكتبت العباسة إلى الخادم والداية بالخروج بالصبي إلى اليمن، فوصل الرشيد مكة، فوكل من يثق به بالبحث عن أمر الصبي فوجده صحيحاً، فأضمر السوء للبرامكة، ذكر ذلك ابن بدرون في شرح قصيدة ابن عبدون التي رثى بها بني الأفطس التي أولها:
الدهريفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الأشباح والصور
ولأبي نواس أبيات تدل على طرف من الواقعة التي ذكرها ابن بدرون.
ألا قل لأمين الله ... وابن القارة الساسه
إذا ما ناكث سرك ... أن يفقده رأسه
فلا تقتله بالسيف ... وزوجه بعباسه
وذكره غيره: أن الرشيد سلم إلى جعفر يحيى بن عبد الله بن الحسن، وكان قد خرج على خلفاء بني العباس، وأمره بحبسه عنده، فقال يحيى لجعفر: اتق الله في أمري، ولا تتعرض أن يكون خصمك جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فرق له جعفر وقال: اذهب حيث شئت من البلاد، فقال أخاف أن أوخذ فأرد، فبعث معه من أوصله إلى مأمنه، وبلغ الخبر الرشيد فدعا به، وقال: يا جعفر ما فعل يحيى؟ قال: