أبو جعفر المنصور مصر في سنة ثلاث وأربعين ومائة، ثم زار ابو جعفر المدكور بيت المقدس في سنة أربع وخمسين ومائة، ومن هناك سير يزيد بن حاتم المذكور إلى إفريقية لحرب الخوارج الذين قتلوا عامله عمر بن حفص، وجهز معه خمسين ألف مقاتل، واستقر يزيد المذكور والياً بإفريقية من يومئذ، وكان جواداً سرياً مقصوداً ممدوحاً، وقصده جماعة من الشعراء فأحسن جوائزهم، وهو الذي قال فيه أبو أسامة ربيعة بن ثابت الأزدي الرقي وفي يزيد بن أسيد بضم الهمزة السلمي وكان والياً على أرمينية من جهة أبي جعفر المنصور، وكان يزيد المذكور من أشراف الناس وشجعانهم، ومن ذوي الآراء الصائبة، فمدحه أبو أسامة المذكور بشعر أجاد فيه، وقصر هو في جائزته، فقال فيهما هذه الأبيات، وقد ذكرتها في غير هذا الموضع.

لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر بن حاتم

يزيد سليم سالم المال والغنى ... أخو الأزد للأموال غير مسالم

فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله ... وهم الفتى القيسي جمع الدراهم

قيل لبعض الشعراء: من أشعركم؟ فقال: ايسرنا بيتاً. قال: من هو؟ قال: الذي يقول:

لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر بن حاتم

ولما عقد أبو جعفر ليزيد المهلبي المذكور على بلاد إفريقية، وليزيد المذكور على ديار مصر، خرجا معاً، فكان يزيد المهلبي يقوم بكفاية الجيش، فقال ربيعة الرقي: وقدم أشعب المشهور بالطمع على يزيد وهو بمصر، فجلس في مجلسه، فدعا يزيد بغلامه فساره بشيء، فقام أشعب، فقبل يده، فقال له يزيد: لم فعلت هذا؟ فقال: اني رأيتك تسار غلامك، فظننت أنك قد أمرت لي بشيء، فضحك منه وقال: ما فعلت، ولكني أفعل، ووصله وأحسن إليه. قلت ومما يحكى من طمع أشعب المذكور أنه رأى في المنام كأن له كباشاً، وكأن إنساناً ساومه فيها، وقال له: بكم تبيع كل واحد منها؟ فقال: بكذا وكذا، وذكر قيمة كثيرة، فقال له: بل بدرهمين. فقال: لا ثم استيقظ ولم يجد الكباش ولا الدراهم، فتغمض عينيه وتناوم، ومد يده وقال هات، يعني الدراهم في كل واحد. ومما يحكى أيضاً عن أشعب أنه كان يدخل وقت الفطور في شهر رمضان مع جماعة يفطرون عند بعض القضاة، وكان القاضي يضع كل ليلة فوق الطعام كبشاً مشوياً، وكان الجماعة يأكلون من حواليه ولا يجتري أحد منهم يمد يده إلى الشواء إلى أن كان بعض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015