وعزمت على ارتكاب الفاحشة منها، ثم إني فكرت في النار وهولها، وأن الزنا من الكبائر، فأشفقت من ذلك، وكففت عن الجارية مخافة من الله تعالى، قال ابن السماك: قال الله عز وجل: " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأةى " - النازعات: 40 - فسر هارون بذلك، قلت هذا الاستذلال فيه ما فيه، فإن الظاهر والله أعلم أن المراد بذلك استمرار الخوف من الله، والنهي للنفس عن ارتكاب الكبائر إلى الموت، فأما إذ وقع ذلك، ثم أعقبه الوقوع في الكبائر، ولقي الله تعالى عاصياً، فهو في خطر المشية مع الموت على الإسلام، فان لم يمت على الإسلام والعياذ بالله، فهو من أهل النار قطعأ، وعليه يحمل أول الآية: فأما من طغى إلى آخرها، نسأل الله التوفيق والغفران، ونعوذ به من الزيغ والخذلان، وقيل وعظ ابن السماك يوماً فأعجبه وعظه، ثم رجع إلى منزله ونام فسممع قائلاً يقول:
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هذا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فاذا انتهت عنه فأنت حكيم
وأردت تلقح بالرشاد عقولنا ... قولاً وأنت من الرشاد عديم
تصف الدواء الذي السقام من الضنى ... ومن الضنى والداء أنت سقيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
فانتبه وآلى على نفسه أن لا يعظ، شهراً. وفيها توفي السيد أبو الحسن موسى الكاظم ولد جعفر الصادق، كان صالحاً
عابداً جواداً حليمأ كبير القدر، وهو أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين في اعتقاد الإمامية، وكان يدعى بالعبد الصالح من عبادته واجتهاده، وكان سخيأ كريمأ، كان يبلغه عن الرجل أن يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيهما ألف دينار، وكان يسكن المدينة، فأقدمه المهدي بغداد فحبسه، فرأى في النوم أعني المهدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول يا محمد " فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ". قال الربيع وأرسل الي المهدي ليلاً، فراعني ذلك، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية، وكان أحسن الناس صوتاً، وقال علي بموسى بن جعفر، فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال: يا أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم يقرأ علي كذا، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من أولادي، فقال: والله لا فعلت ذلك، وما هو من شأني، قال: صدقت أعطوه ثلاثة آلاف دينار، ورده إلئ أهله إلى المدينة، قال الربيع: فأحكمت أمره ليلاً، فما أصبح إلا وهو في الطريق، خوف العوائق ثم إن هارون