من الخليل، وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيم أخذه ولا على مثال تقدمه احتذاه، وإنما اخترعه من ممر له بالقصارين من وقع مطرقة على طست، وقيل: وهو في اختراعه عالم العروض الذي هو لصحة الشعر وفساده ميزان كارسطاطاليس الحكيم في اختراعه علم المنطق الذي هو ميزان المعاني وصحة البرهان، وفي ذلك أقول على طريق التشبيه والبيان:
بميزان حبر بارع كن بما أتى ... يجيء أرسطاطاليس صنعاً ويبدعا
بحيث سما علياً النجابة واضعاً ... عروضاً حكت روضاً زها متنوعا
يظل به من يهتدي الحسن مولعاً ... ومن لايحسن يهتدي متولعا
كأن بها الحسن من تلك بدرة ... بدا من سما مجد الخليل مشعشعا
ومن تأسيس الخليل بناء كتاب العين الذي يحضر فيه لغة أمة من الأمم، ثم من إمداد سيبويه من علم النحو بما صنف منه كتابه المشهور، ومن براعة ذكائه: ما ذكر في كتاب المقتبس أنه كان للناس رجل يعطي دواء لظلمة العين ينتفع الناس به، فمات، فاحتيج إلى ذلك الدواء، ولم يعرف ما هو، فذكر ذلك للخليل فقال: اله نسخة معروفة؟ قالوا: لم نجد نسخته. قال: فهل كانت له آنية يعمل فيها؟ قالوا: نعم إناء كان يجمع فيه الأخلاط، قال: فأتوني به، فجاءوه به، فجعل يتشممه ويخرج نوعاً نوعاً حتى ذكر خمسة عشر نوعاً، ثم عمله وأعطاه الناس فشفوا به، ثم وجدت النسخة والأخلاط المذكورة فيها ستة عشر، لم يغفل إلا واحداً. قلت ومما يناسب هذا الفهم العظيم ما حكي عن حكيم، وذلك أنه عمي بعض الحكماء في بلاد الشام، ولم يدر ما سبب عماه حتى يعالجه بما يناسبه من أضداد العلة المفذهبة للبصر، فسمع بحكيم في بلاد الهند، فارتحل إليه، فلما قدم عليه عرض عليه ما أصاب عينيه، فنظر فيهما ذلك الحكيم، ثم قال له: العلة في ذهاب نور بصرك أنك بلت في يوم حار على حية ميتة في سبخة من الأرض، فطلع في عينيك بخارها، ثم استدعى بغلامه، فأتي بكحل، فكخل به عينيه، فأبصر في الحال، ثم رجع إلى بلاده فأراد أن يختبر صحة ما قاله الحكيم، فتتبع موضع الحياث حتى ظفر بحية فقتلها، ثم رمى بها في سبخة تشرق عليها الشمس، وتهب عليها الريح مدة من الزمان، ثم أتى فبال عليها فعمي في الحال، ثم قال لغلامه: الرحيل فرحل إلى ذلك الحكيم، وتنكر جهده حتى لا يعرفه، وقال لغلامه: اذا رفع المرود ليكحل به عيني فخذه من يده وضعه في فمي، فقال: نعم إن شاء الله، فلما وصل إليه قال له: انا رجل غريب وقد ذهب بصري، عسى من أجل الله تعالى أن تعالجه بما يرد