على الموصل. وفيها في ذي القعدة بمكة توفي المنصور أبو جعفر عبد الله بن محمد العباسي وله ثلاث وستون سنة، وكانت خلافته اثتين وعشرين سنة، وكان ذا حزم وعزم ودهاء ورأي وشجاعة وعقل، وفيه جبروت وظلم، ولي بعده ولده المهدي، ولما عزم المنصور على قتل أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة لبني العباس كتب إليه ابن عمه عيسى بن موسى:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا روية ... فإن فساد الرأي أن تتعجلا
وكتب إليه المنصور.
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا
ومن أخبار المنصور: ما رووا عن أبي بكر الهذلي الشاعر المشهور، قال: قال لي المنصور: قد بلغت أربعين سنة وأريد الحج، وأنا داخل على أبي العباس أكلمه أن يعينني على سفري، يعني أخاه السفاح، فأعني بالقول، قال: قلت: افعل فلما دخل عليه ودخلت كلمه واستغنى عن كلامي، فحج، فما كان ببعض الطريق أتاه نعي أبي العباس، فأقبل على كل صعب وسهل حتى أتى دار الخلافة فظفر بالأموال. قال الراوي فلما توفيت امرأة الهذلي المذكور، وكانت أم ولده والقيمة في منزله، وجد عليها، فبلغ ذلك المنصور، فأمر حاجبه الربيع أن يأتيه ويعزيه ويقول له: ان أمير المؤمنين متوجه إليك الليلة بجارية نفيسة لها أدب وطرب وهيئة ومعرفة تسليك عن امرأتك، وتسد موضعها وتقوم بأمر منزلك، ويأمر لك مع ذلك بفرش وكسوة، قال: فلم يزل الهذلي يتوقع ذلك فلم يره، ونسيه المنصور فلم يذكره، ولم يذكره بذلك أحد ثم إن المنصور لما حج وكان الهذلي منه قال وهو بالمدينة الشريفة: اني أحب أن أطوف الليلة في المدينة، فأنظروا إلي رجلا يعرف منازل أهل المدينة ومساكنها ورباعها وطرقها وأخبارها يكون معي فيعرفني ذلك، فقالوا له: ما نعلم أحداً أعلم بذلك ولا أعرف به من أبي بكر الهذلي، فأمره بالحضور، فلما كان في الليل خرج المنصور على حمار يطوف في سكك المدينة وهو معه، فجعل يسأله عن ربع ربع وسكة سكة وموضع وموضع فيخبره بمن هو ولمن كان، يقص قصة الحال فيه حتى مر ببيت عاتكة، فسأل عنه فقال: يا أمير المؤمنين، هذا بيت عاتكة