وعطاء بن أبي رباح وأبي إسحاق السبيعي والضحاك بن مزاحم ومحمد بن مسلم الزهري وغيرهم، وروى عنه بقية وعبد الرزاق الصنعاني وحرمي بن عصارة وعلي بن الجعد، وكان من العلماء الأجلاء. حكي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال: الناس كلهم عيال على ثلاثة: على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الكلام. وروي أن أبا جعفر كان جالساً فسقط عليه الذباب فطيره، فعاد إليه فألح عليه وجعل يقع على وجهه وأكثر من السقوط عليه مراراً حتى أضجره، فقال المنصور: انظروا من بالباب، فقيل له مقاتل بن سليمان، فقال علي به، فأذن له فلما دخل عليه، قال هل تعلم لماذا خلق الله الذباب؟ قال: نعم ليذل الله عز وجل به الجبابرة فسكت المنصور. وقال مرة مقاتل سلوني عن ما دون العرش، فقيل له من حلق رأس آدم عندما حج، فقال ليس هذا من علمكم، ولكن الله تعالى أراد أن يبتليني لما أعجبتني نفسي. وقال له آخر الذرة أو النملة معاؤها في مقدمها أو مؤخرها؟ فبقي لا يدري ما يقول له. قال الراوي: فظننت أنها عقوبة عوقب بها. وقد اختلف العلماء في أمره، فمنهم من وثقه في الرواية، وطعن فيه خلق كثير من الأئمة، ونسبوه إلى الكذب. وفيها توفي فقيه العراق الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة، ومولده سنة ثمانين، رأى أنساً، وروى عن عطاء بن أبي رباح وطبقته، وتفقه على حماد بن أبي سليمان، وكان من الأذكياء جامعاً بين الفقه والعبادة والورع والسخاء، وكان لا يقبل جوائز الولاة، بل ينفق ويؤثر من كسبه، له دار كبيرة لعمل الخز وعنده صناع الخز. قال الثمافعي: كل الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة، وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة، رضي الله عنه. وعن أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلاً يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل، فقال والله لا يتحدث عني بما لم أفعل، فكان يحيي الليل صلاة ودعاء وتضرعاً. وقيل إن المنصور سقاه سما فمات شهيداً رحمه الله، سمه لقيامه مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، وكان قد أدرك أربعة من الصحابة، هم أنس بن مالك بالبصرة وعبد الله بن أبي أوفى بالكوفة وسهل بن سعد الساعدي بالمدينة وأبو الطفيل عامر بن واثلة بمكه رضي الله عنهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015