لباساً ما هو لباس الأبرار وسميته باسم ما استحقه ومهدت له أمراً أمنع ما يكون به أشغل ما يكون عنه، ثم التفت إلى المهدي وقال: نعم يا ابن أخي إذا حلف أبوك اخشه، لأن أباك أقوى على الكفارات من عمك، فقال له المنصور: هل من حاجة؟ قال: لا تبعث إلي حتى آتيك، فقال المنصور: اذن لا نلتقي. قال عمرو: هي حاجتي فاتبعه المنصور نظره، وقال:
كلكم يمشي رويدا ... كلكم يطلب صيدا
غير عمرو بن عبيد
ولما حضرته الوفاة قال لصاحبه: نزل بي الموت ولم أتأهب، ثم قال: اللهم إنك تعلم أنه لم يسنح لي أمران في أحدهما رضى لك، وفي الآخر هوى لي إلا اخترت رضاك على هوائي فاغفر لي، وتوفي وهو راجع من مكة بموضع يقال له مران بفتح الميم وبعدها راء مشددة، وفيه دفن أيضاً تميم بن مر الذي ينسب إليه بنو تميم القبيلة المشهورة، ورثا المنصور عمراً المذكور بقوله:
صلى الإله عليك من متوسد ... قبراً به قبرعلى مران
قبراً تضمن مؤمناً متحنفاً ... صدق الإله ودان بالعرفان
لو أن هذا الدهر أبقى صالحاً ... أنقى لنا عمراً أبا عثمان
قالوا ولم يسمع بخليفة رثى من هو دونه سواه، ولعمرو المذكور رسائل وخطبات، وكتاب التفسير عن الحسن البصري، وكتاب الرد على القدرية، قلت هكذا قال بعض المؤرخين، والذي حكى أصحابنا عنه في كتب الأصول: قول شنيع وكفر فظيع في نفيه المقدر، وهو ما روى الإمام الطبري أنه قال: ان كان تبت يدا أبي لهب في اللوح المحفوظ، فما على أبي لهب من لوم. وذكر الإمام الطرسوسي المالكي في كتابه، في الخلاف عنه، أنه لما ذكر حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن حبان، المشتمل على قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنين: " ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد ". قال: لو سمعته من الأعمش لكذبته، ولو سمعته من أن مسعود لما صدقته، ولو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقلت: ما بهذا بعثت الرسل، ولو سمعته من الله عز وجل ما على هذا أخذت مواثيقنا، قال أئمتنا: وليس يزيد على كفره كفر.