الكاتب إلي تبدأ بنفسك قبلي؟ ألست الكاتب يخطب عني آسية وتزعم أنك من ولد سليط بن عبد الله بن عباس، لقد ارتقيت لا أم لك مرتقى صعباً، فأخذ أبو مسلم بيده يعركها ويقبلها ويعتذر إليه، فقال له المنصور: وهو آخر كلامه قتلني الله إن لم أقتلك، ثم صفق بإحدى يديه على الأخرى فخرج إليه القوم وخبطوه بسيوفهم، والمنصور يصيح اضربوا قطع الله أيديكم، وكان أبو مسلم قد قال عند أول ضربة استبقني يا أمير المؤمنين لعدوك، فقال لا أبقاني الله أبداً وأي عدو أعدى منك؟ ولما قتله أدرجه في بساط، فدخل عليه جعفر بن حنظلة، فقال له المنصور: ما تقول في أمر أبي مسلم؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن كنت أخذت من رأسه شعرة فاقتل ثم اقتل ثم اقتل، فقال له المنصور وفقك الله ها هو في البساط، فلما نظر إليه قتيلاً قالى: يا أمير المؤمنين عد هذا اليوم أول خلافتك، ثم أقبل المنصور على من حضره وأبو مسلم طريح بين يديه وأنشد.
زعمت أن الدين لا يقتضى ... فاستوف بالكيل أبا مخرم
اشرب بكأس كنت تسقي ... بها أمر في الحلق من العلقم
وكان المنصور بعد قتله كثيراً ما ينشد جلساؤه نظماً لبعضهم من جملته.
وأقدم لما لم يجد عنه مذهباً ... ومن لم يجد بداً من الأمر أقدما
قيل ومن ها هنا أخذ البحتري قوله في مدح الفتح بن خاقان صاحب المتوكل على الله، ولقد لقي أسداً على طريقه فلم يقدم عليه، ثم أقدم عليه فقتله الفتح، والمقصود منها قوله:
فأحجم لما لم يجد فيك مطمعاً ... وأقدم لما لم يجد منك مهربا
واختلف في نسب أبي مسلم: فقيل من العرب، وقيل من العجم، وقيل من الأكراد، وفي ذلك يقول أبو دلامة:
أبا مخرم ما غير الله نعمة ... على عبده حتى يغيرها العبد
أفي دولة المنصور حاولت غدرة ... ألا إن أهل الغدر أباؤك الكرد
أبا مخرم خوفت بالقتل فاتحاً ... عليك بما خوفتني الأسد الورد
ووصف المدائني أبا مسلم فقال كان قصير السمر جميلاً حلواً أنقى البشرة أحور العين عريض الجبهة حسن اللحية وافرها طويل الشعر قصير الساق والفخذ خافض الصوت فصيحاً بالعربية والفارسية حلو المنطق راوية للشعر عالماً بالأمور، ولم يرى ضاحكاً ولا مازحاً إلا في وقته، ولا يكاد يقطب في شيء من أحواله، تأتيه الفتوحات العظام فلا يظهر عليه أثر