وهي متوجهه إلى مصر وجرى بينهما كلام يطول شرحه، ثم إنها تمت في سفرها إلى أن قدمت مصر، وتأخر كثير بعدها مدة ثم عاد إلى مصر، فوفاها والناس منصرفون عن جنازتها، وكثير تصغير كثير، وإنما صغر لأنه كان شديد القصر: وفي السنة المذكورة توفي خليفتهم أبو خالد يزيد بن عبد الملك بن مروان، وجده لأمه يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، عاش أربعاً وثلاثين، وولي أربع سنين وشهراً، وكان أبيض جسيماً مدور الوجه، قيل لما استخلف قال سيروا سيرة عمر بن عبد العزيز، فأتوه بأربعين شيخاً شهدوا له أن الخلفاء لا حساب عليهم ولا عذاب، نعوذ بالله مما سيلقى الظالمون من شدة العذاب. وحكى الحافظ ابن عساكر أنه لما حج يزيد بن عبد الملك طلب حالقاً، فجاء فحلق رأسه، فأمر له بألف درهم، فتحير ودهش وقال هذه الألف أمضي بها إلى أمي فلانة أسرها بها، فقال: اعطوه ألفاً أخرى، فقال: امرأتي طالق إن حلقت رأس أحد بعدك فقال: اعطوه ألفين آخرين. قلت هكذا هو في الأصل المنقول عنه ليزيد بن عبد الملك، ولكن هذه القصة وقعت في أثناء ترجمة يزيد بن المهلب، فلا أدري هو غلط من الكاتب أو أدخل حكاية من حكايات ابن عبد الملك مع حكايات ابن المهلب. وفيها وقيل في التي قبلها، وقيل في التي بعدها، وقيل في سنة سبع، وقيل في سنة خمس عشرة، توفي عكرمة مولى ابن عباس أحد الأعلام المستضيء بها الأنام، اصله من البربر من أهل المغرب، وهب لابن عباس فاجتهد في تعليمه القرآن والسنين، وسماه بأسماء العرب. حدث عن مولاه عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري والحسن بن علي وعائشة رضي الله عنهم، وهو أحد فقهاء مكة من التابعين فيها، وكان كثير النقل في الأقاليم، خل اليمن وأصفهان وخراسان ومصر والمغرب وغيرها، وكانت الأمراء تكرمه وتصله، قال عكرمة طلبت العلم أربعين سنة. وروي أن عباس قال له: انطلق فأفت الناس، وقيل لسعيد بن جبير: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: عكرمة، وروى عنه الزهري وعمرو بن دينار والشعبي غيرهم. ولما مات مولاه، باعه ولده علي بن عبد الله بن عباس بن خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فقال له عكرمة: بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار. فاستقاله، فأقاله، ثم أعتقه.