فتسق الصبر، ثم دهن لوز الزهد، ثم دهن بيض القناعة، ثم سحقته على صلابة التقوى بقهر طاعة الموالي، ثم ألقيت منه جزءاً على مائة جزء من نحاس نحو سك صار ذاهباً منفى، والله الموفق.
وأما ما ذكرته في لبس الخرقة المذكورة في القصيدة من اكتساء الفخر، فهو من أجل إنه أمر بذلك في اليقظة في حال حال ورد عليه على ساحل البحر، وهو قولي في القصيدة:
وألبسني عن أمر مولاه خرقة ... كسيت بها فخر الأمر بيقظة
وقد ألبسني إياها جماعة أيضاً من القوم بعضهم بإشارة أيضاً، ولكن ربما وقعت له في اليقظة، وربما وقعت في النوم، ولم أشاهد في أحد منهم من حسن سلوك الطريقة، والجمع بين الشريعة والحقيقة، والجد والاجتهاد، وعلو الهمة، ومواصلة الأوراد، والحرص على متابعة السنة والتورع، والمبالغة في المحو والأدب والتواضع، وكثرة المعارف والمكاشفات، والمحاسن والكرامات، ما شاهدته في الشيخ المذكور، وفى ذلك أنشد وأقول:
وكم عاذل في حب سلمى ومدحها ... يقولون قد أكثرت في الشعر وصفها
يلومونني يا أم عمر وما دروا ... بما أبصرت عيني من الحسن والبها
وأهوى سوا هارب خود خريدة ... ولكن ما شاهدت في الحسن مثلها
والجماعة المذكورون في إلباسهم لي الخرقة، بعضهم أدرك الشيخ أبا الغيث، وبعضهم ينتسب إلى الشيخ محمد بن أبي بكر الحكمي للنسبة من بعض ذريته وبعضهم ينتسب إلى الشيخين الإمامين الحضرميين أعني الفقيه إسماعيل، والشيخ أبا عباد، وبعضهم هو الشيخ محمد بن عمر النهاري، وبعضهم قال لي: هذه يدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني أصحب بها عنه، فاصحب بها أنت عني. كل هؤلاء المذكورين يمانيون، ومهم من ينتسب إلى الشيخ أبي مدين شيخ بلاد المغرب رضي الله تعالى عنه، ومنهم من ينتسب إلى الشيخ شهاب الدين السهروردي رضي الله تعالى عنه وعنهم.
وأما شيوخي من جهة العلم، فقد تقدم ذكر بعضهم، وقد ذكرت طريق الخرقة وشروطها وإنها خرقتان خرقة بركة واحترام، وخرقة تحكم والتزام، في كتاب " نشر الريحان في فضل المتحابين في الله من الأخوان "، وذكرت أن غالب شيوخ اليمن يرجعون في لبسها إلى شيخ الشيوخ في المجد والفاخر، الذي خضعت لقدمه رقاب الأكابر، الشيخ محيي الدين أبي محمد عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه، ونور ضريحه، وإلى ذلك أشرت في بعض القصيدات بقول هذه الأبيات: