قلت: وحصل بيني وبينه اجتماع في حجة في المدرسة الشهابية من المدينة الشريفة لأنه نزل فيها، وكنت قبله نازلاً بها، ثم سألته عن مسألة خطرت لي، وهي أني قلت له: في الذكر الوارد في كفارة المجلس. لا يخلون إما أن يكون الشخص صادقاً في قوله، وأتوب إليك، أو كاذباً، فإن كان صادقاً، فالمغفرة تحصل بمجرد التوبة، ولا تفتقر إلى الذكر المذكور من قوله: سبحانك اللهم، وبحمدك إلى آخره، وإن كان كاذباً فكيف تحصل له مغفرة مع إخباره بتوبة هو كاذب فيها مصرفي نفسه على معاصيها؟ فأجابني بجواب في الحال ليس بشاف في هذا السؤال ليس هو الآن لي على بال.
وفيها مات في بدر الولي الكبير المشغول بالله الشهير، الشيخ علي بن الحسن الواسطي الشافعي محرماً متوجهاً إلى الحج، وكان ذا همة عالية حج مراراً كثيرة واعتمر على ما روى بعضهم أكثر من ألف عمرة، وتلا أزيد من أربعة آلاف ختمة، فطاف مرات في كل ليلة سبعين أسبوعاً ورأيته يسرع في طوافة مثل ما يرمل المحرم أو أسرع، وبلغني أن بعض الناس كان ينكر عليه في إسراعه ذلك، فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر له ذلك المنكر عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قل له " إن قدر يزيد على ذلك الإسراع، فليفعل " والذي فهمت منه أنه كان في عدوه ذلك واجد، أو يدل عليه أني رأيته يطوف في شدة الحر، فسألته عن ذلك، فقال: ما أجد حراً، ولعمري إن كل صادق واجد لا ينبغي أن يعترض عليه فيما يفعله، ولهذا رأيت غيره من بعض الصالحين يطوف في حال وجده، وهو يعدو، فنهاه بعض الفقهاء، فلم يلتفت إليه، فأمر بإمساكه، فسلط الله على ذلك الفقيه من أمسكه من ظلمة السلطنة، وضربه على القرب من فعله ذلك، وكان الشيخ علي الواسطي المذكور، شديد المجاهدة، يغتسل لكل فريضة في البرد الشديد وغيره.
وكان قد بلغني أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليقظة، فسألته عن ذلك، فأقر به، وكان أول اجتماعي به في الليل في شهر رمضان في المسجد الحرام، فقال: " أجدني أحبك " وأطعمني كسرة من بقية عشائه، والناس يصلون التراويح، فقال لي: " ما تصلي بنا " فقلت له: تقدم بنا تصلي مع الجماعة، فذكر لي كلاماً معناه أنه ما يجد الجماع قلبه في مخالطة الناس، وكان في ذلك الوقت ثلاثة رجال واسطيون كلهم ملاح، مع تفاوت طريقتهم في أوصاف الصلاح.
أحدهم الشيخ علي المذكور، وكانت طريقته الانفراد والبعد من الناس كلاهم كأنه أسد، وكان مهنا ملك العرب يحبه ويعظمه، ويقسم برأسه على ما سمعت.