بالفاضلية، وأعاد بالصالحية والناصرية، وتصدر للاشتغال، وانتفع به خلق كثير، وصنف في الفقه زوائد التعجيز على التنبيه، وناب في الحكم عن قاضي القضاة جمال الدين الذرعي مدة، ثم عن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة، وتولى وكالة بيت المال مستمراً على ذلك إلى موته.
وفيها مات صدر الأكابر والرياسة والمفاخر، فخر الدين محمد بن فضل الله كاتب المماليك، ناظر الجيش المصري، وله جلالة وشهرة وأوقاف وثروة، وأحيط على حواصله.
قلت: ولقد رأيته في المسجد الحرام يمشي معه القاضي الرئيس الكبير قاضي مكة نجم الدين الطبري، وهو يدور على أهل الخير والصلاح من المجاورين، ويفرق عليهم الدنانير، فلما رآني نجم الدين المذكور مال به إلى عندي.
وبلغني أنه حج مع السلطان الملك الناصر في بعض حجاته، وكان قريباً منه، فلما مر بوادي بني سالم السلطان بدا له جبل ورقان، فقال: يا فخر من في رأس هذا الجبل؟ قال: غلمان مولانا. قال: ليس النازلون في هذا الجبل لي بغلمان. يعني أن من كان ساكناً في هذا الجبل المنيع العالي، فليس لي في طاعة، ولا بي مبال، وفي هذا المعنى خطر لي هذان البيتان:
إذا ما كنت في حصن ... علا في رأس ورقان
فإني لا أبالي ... بوالٍ أو بسلطان
وهذا الجبل المذكور يؤتى منه بالعسل الفائق المشكور، وأخبرني من له به خبرة أن فيه أشجاراً ونباتاً وأزهاراً كثيرة يطول في ذكر أسمائها التعداد، ولا يوجد في غيره من البلاد.
وفيها توفي الشيخ الجليل الإمام العلامة المقرئ شيخ القراء برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري الشافعي، صاحب الفضائل الحميدة، والمباحث المفيدة، والتصانيف العديدة، وجملتها نيف على مائة تصنيف، ومن نظمه:
وإن فسح الله الكريم بمدتي ... وأدركت عمراً ليس في أصله ضعف
سأنشر للطلاب علماً كعادتي ... عزيز المعاني فيه من حسنه لطف