نجم الدين قاضي الحرم الشريف وشيخه ومدرسه محمد بن محمد الطبري، والفاروثي يرويه عن مصنفه الشيخ عبد الغفار القزويني، ثم قدم بعد المجاورة إلى الشام في سنة إحدى وتسعين، فولي بها مشيخة دار الحديث الظاهرية، وإعادة الناصرية، وتدريس النجيبية، ثم ولي خطابة البلد بعد زين الدين بن المرجل، وكان خطيباً بليغاً، فإذا نزل وصلى ربما خرج بالخلعة السوداء وشيع الجنائز، وزار بعض أصحابه من الأكابر، وهو لابسها، وكان إماماً بارعاً فاضلاً فقيهاً مقرياً، حسن الاعتقاد، جيد الديانة، ظريفاً حلو المجالسة، لطيف الشكل، صغير العمامة يرتدي برداء، وكان كثير الاشتغال والعبادات، وعنده كتب كثيرة جداً نحو من ألفي مجلد أو أكثر، ذا كرم وسعة صدر ووجاهة عند الكبراء والأمراء، واتفق أنه عزل بعد سنة بالخطيب الموفق، فسافر مع الحجاج، ودخل العراق، وتوفي بواسط وقد نيف على الثمانين - رحمه الله تعالى -.

وفيها توفي المحب الطبري شيخ الحرم الإمام العلامة الحافظ الرواية ذو التصانيف الكثيرة، والفضائل الشهيرة أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر المكي الشافعي، ولد سنة خمس عشرة وست مائة، وسمع من ابن المقري، وابن الحميري وجماعة، وصنف كتباً عديدة في الحديث، وله في الفقه مبسوطات ومختصرات، ومن المبسوطات كتاب في الأحكام في عدة مجلدات أجاد فيه وأفاد وأكثر وأطنب، وجمع الصحيح والحسن، ولكن ربما أورد فيه الأحاديث الضعيفة، ولم يبين ضعفها، وكان فقيهاً بارعاً محدثاً حافظاً درس وأفتى وأسمع، وروى، وكان محدث الحجاز في زمانه، وشيخ الشافعية هنالك.

وتوفي قبله بأيام ولده النجيب الفاضل جمال الدين محمد قاضي مكة مؤلف كتاب التشويق إلى البيت العتيق، ومن تصانيف محب الدين شرح كبير مبسوط للتنبيه جيد إلا أنه ربما يختار الوجوه الضعيفة، وله مختصرات للتنبيه وغير ذلك، وكتاب " القرى " بكسر القاف، ومختصر السيرة وغير ذلك لكنها لم تشتهر ولم تنتشر في البلدان إلا كتاب " الأحكام " المذكور فإنه في البلدان مشهور، وكان له جاه عظيم؟ وحظ كريم عند الملك المظفر صاحب اليمن، وكان مشغولاً بالعلم مستفيداً ومفيداً، وعنه أخذ خلائق من الفضلاء من أكابر المحدثين والفقهاء، وكان له صحبة من الشيخ الكبير العارف بالله الخبير ذي المناقب والكرامات السنية، والأحوال والمقامات العلية أبي العباس أحمد المورقي الغربي المدفون في الطائف قدس الله روحه، وله معه حكايات عجيبة، منها أنه لما قدم الملك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015