رجب وأخربت، ثم افتتح بيروت بعد أيام وهدمها، فلما رأى أهل حصن عثليث بالمثلثة بعد العين المهملة مكررة في آخره خلو الساحل من عباد الصليب. أحرقوا حواصلهم، فهربوا في البحر، فهدمه المسلمون، وكذلك فعل بأهل طرسوس، فتسلمها الطباخي، ولم يبق للنصارى بأرض الشام معقل ولا متحصن.

وفيها توفي عن اثنتين وثمانين سنة الإمام الجليل السيد الجليل ذو المجد الأثيل بركة الزمن، وفقيه اليمن المعروف، بابن عجيل الولي الكبير العارف بالله الشهير ذو السيرة الحميدة، والمناقب العديدة، والبركات الظاهرة، والكرامات الباهرة أبو العباس أحمد بن موسى بن علي بن عمر الذوالي بالذال المعجمة؛ كان أبوه عالماً بأصول الفقه وفروعه، وانتهت إليه رياسة الفقه والفتوى، حتى كان يقول شيخه الكرماني في إجازته علامة اليمن، وأعجوبة الزمن، وكان عمه محمد فقيها في الفرائض والحساب، وكان عمه وشيخه إبراهيم عالماً بالحديث والعربية والفقه وأصوله، وكان أبوه موسى المذكور يصحب الشيخ والفقيه، وكان إذا زارهما يقولان له أو أحدهما: أرحب يا أبا أحمد، ويبشرانه أنه يولد له ولد يكون له شأن عظيم.

قلت: وبلغني أن الشيخ الحكمي قال له: يكون أحمد شمس زمانه لا كشموسنا، وبلغني أيضاً أنهما أتيا يوم السابع عن ولادة الفقيه أحمد المذكور، وأسرا إليه كلاماً في أذنه لم يدر الحاضرون ما هو، حتى سئل الفقيه أحمد عنه بعدما كبر. ما هو؟ فقال: أوصياني بذريتهما، وكان رضي الله تعالى عنه قد نشأ نشوءاً عجيباً، وظهرت فيه النجابة، ولاح عليه الفلاح، واستفاض في الناس أنه ما لعب ولا صبا، ولم يعرف له سوى الورع والزهد والعبادة، والاشتغال بالعلم، والاستفادة والإفادة. اشتغل على عمه إبراهيم ولازمه اثنتي عشرة سنة يقرأ فيها الفنون التي قد أتقنها مع خلو البال، والاعتزال لا يبطل الاشتغال في يوم جمعة ولا غيره، فبرع في العلوم خصوصاً الفقه، وله شيوخ غير عمه أخذ عنهم في مكة وهم جماعة.

منهم الإمام محمد بن يوسف بن مسدي بفتح الميم وسكون السين وكسر الدال المهملتين المهلبي، والإمام سليمان بن خليل العسقلاني، والإمام إسحاق بن أبي بكر طبري وفي اليمن الفقيه الإمام محمد بن إبراهيم الفشلي، كل هؤلاء المذكورين خطوطهم في كتبه مسطورة.

وأخذ عنه خلائق منهم الفقيه العلامة السيد الكبير الولي الشهير ذو المناقب الجليلة، المواهب الجزيلة، والكرامات الباهرة، والمحاسن الزاهرة أبو الحسن علي بن إبراهيم البجلي اليمني الساكن في شجينة بضم الشين المعجمة، وفتح الجيم، والنون وبينهما مثناة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015