الناس. له كتاب وفيات الأعيان، وهو من أحسن ما صنف في هذا الفن.

قلت: ومن طالع تاريخه المذكور، طلع على كثرة فضائل مصنفه، وما رأيته يتتبع في تاريخه إلا الفضلاء، ويطنب في تعديد فضائلهم من العلماء خصوصاً علماء الأدب والشعراء، وأعيان أولى الولايات، وكبراء الدولة من الملوك والوزراء والأمراء، ومن له شهرة وصيت في الورى. لكنه لم يذكر فيه أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولا من التابعين رحمة الله عليهم، إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثيرة من الناس إلى معرفة أحوالهم. كذا قال في خطبته قال: وكذلك الخلفاء لم أذكر أحداً منهم اكتفاء بالمصنفات الكثيرة في هذا الباب.

قلت: كأنه يعني بالخلفاء المذكورين الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم، وما كان حاجة إلى ذكرهم، فإنه قد ذكر أنه لم يذكر أحداً من الصحابة، وكان حقهم أن يذكرهم قبل التابعين. بل قبل الصحابة، وكلامه هذا يوهم أنه لم يذكر أحداً من الخلفاء الذين هم الملوك من بني العباس وغيرهم، ولي كذلك بل قد ذكرهم، فليفهم ذلك فإنه موهم.

رجعنا إلى تمام كلامه قال: لكن ذكرت جماعة من الأفاضل الذين شاهدتهم، ونقلت عنهم، أو كانوا في زمني، ولم أرهم ليطلع على حالهم من يأتي من بعدي.

قلت: وكلامه هذا أيضاً ليس بصائب، فانه يوهم أنه لم ينقل إلا عن الذين عاصرهم، وليس بصحيح، فإنه لم يقتصر على ذلك بل هو كما ذكر في خطبته قبل هذا قال: ولم أقصر هذا المختصر على طائفة مخصوصة مثل العلماء والملوك والأمراء والوزراء والشعراء، بل كل من كان له شهرة بين الناس، ويقع السؤال عنه قال: وذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمه، أو نادرة شعر أو رسالة ليتفقه متأمله، ولا يراه مقصوراً على أسلوب واحد، فيمله والدواعي إنما تنبعث لتصفح الكتاب إن كان دً.

وذكر أنه كان ترتيبه لتاريخه المذكور في شهور سنة أربع وخمسين وست مائة بالقاهرة المحروسة. ثم قال في آخره: نجز الكتاب بحمد الله وعونه في يوم الاثنين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وست مائة بالقاهرة المحروسة، ثم قال: يقول الفقير إلى الله تعالى أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان مؤلف هذا الكتاب: إنني كنت قد شرعت في هذا الكتاب في التاريخ المذكور في أوله على الصورة التي شرحتها هناك مع استغراق الأوقات في فصل القضايا الشرعية والأحكام الدينية بالقاهرة المحروسة، فلما انتهيت فيه إلى آخر ترجمة يحيى بن خالد حصلت لي حركة إلى الشام المحروس في خدمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015