والحيلة فيه صرح هو رضي الله عنه بذلك، ومن المشهور أنه كان يقتدي ببعض المشائخ من الصوفية، وهو الشيخ الشهير العارف بالله الخبير الولي الكبير ياسين المزين، ويتأدب معه، ويجالسه ويقبل إشارته.
وأخبرني بعض العلماء الشاميين أنه أشار عليه قبل موته بقليل يرد ما عنده من الكتب المستعارة، وزيارة أهله في بلده، ففعل ذلك، ثم توفي عندهم في الرابع والعشرين من رجب سنة ست وسبعين وست مائة، وفي لحيته شعرات بيض.
قلت: واعتقاد هذا السيد الكبير المتضلع من علوم المشائخ الصوفية، وصحبتهم ومحبتهم على العموم من أقوى الحجج الظاهرة على المنكرين عليهم من الخصوم، ومن كل طاعن فيهم محروم، وقد صرح في كتابه الأذكار المشتمل على الفضائل الجمة يكون الصوفية من صفوة هذه الأمة، وقد رأيت له مناماً يدل على عظم شأنه، ودوام ذكره لله، وحضوره وعمارة أوقاته، وشدة هيبته، وتعظيم وعلى تعالى ووعيده، وحياته بعد موته، وكلمني ودعا لي، وغير ذلك مما لا تضبطه العبارة مما تميز به عن العلماء والعبادة.
وقد أشرت إلى شيء من ذلك في كتاب الإرشاد قدس الله روحه، ونور ضريحه ودعاءه الذي دعا لي هو هذا، وفقك الله وزادك فضلاً أو قال: من فضله وثبتك بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وممن دعا لي أيضاً من الأولياء بعد وفاته شيخ شيخنا السيد الجليل المقدار الذي جمع من المحاسن ما لا يدخل تحت الإنحصار أبو الخطاب عمر بن علي المعروف بابن الصفار رحمه الله تعالى، وهذا دعاؤه: أصلحك الله صلاحاً لا فساد له، أو لا فساد معه في منام رأيته. أسأل الله الكريم أن يتقبل ذلك منهما، وأن يرزقنا بركتهما آمين آمين. رجعنا إلى ذكر الشيخ محيي الدين، ولقد بلغني أنه كان تجري دموعه على خده في الليل ثم ينشد.
لئن كان هذا الدمع يجري صبابة ... على غير ليلى، فهو لا شك ضائع
ورثاه غير واحد من الشعراء بمراثي حسنة رحمه الله تعالى، ونفعنا ببركته.
وفي السنة المذكورة توفي السلطان الملك الظاهر كما تقدم.
وفيها توفي الجريدلة الظاهري نائب سلطنة مولاه، وكان نبيلاً عالي الهمة، وافر العقل محبباً إلى الناس منطوياً على دين ومروءة ومحبة للعلماء والصلحاء، ونظر في العلم والتواريخ رقاه أستاذه إلى أعلى المراتب، واعتمد عليه في مهماته.
قيل إن شمس الدين الفارقاني الذي ولي نيابة السلطنة، سقاه السم باتفاق مع أم