الشراب هو النور الساطع عن جمال المحبوب، والكأس هو اللطف الموصل ذلك إلى أفواه القلوب، والساقي هو المتولي الخصوص الأكبر والصالحين من عباده، وهو الله العالم بالمقادير ومصالح أحبائه، فمن كشف له عن ذلك الجمال وحظي بشيء منه نفسًاأونفسين. ثم أرخى عليه الحجاب، فهو الذائق المشتاق ومن دام له ذلك ساعة أو ساعتين، فهو الشارب حقًا، ومن توالى عليه الأمر ودام له الشرب حتى امتلأت عروقه ومفاصله من أنوار الله المخزونة، فذلك هو الري، وربماغاب عن المحسوس والمعقول، فلايدري ما يقال ولا ما يقول فذلك هو السكر، وقد يدور عليهم الكاسات، وتختلف لديهم الحالات، ويرعون إلى الذكر والطاعات، ولا يحجبون عن الصفات، مع تزاحم المقدورات، فذلك وقت صحوهم، واتساع نظرهم ومزيد علمهم، فهو نجوم العلم، وقمر التوحيد يهتدون في ليلهم، وبشموس المعارف يستضيئون في نهارهم،) أولئك حزب الله ألاإن حزب الله هم المفلحون (وله من الكرامات من المكاشفات وغيرها ما لا يحتمل ذكره هذا الكتاب من ذلك ما ذكره تلميذ الشيخ أبو العباس المرسي المتقدم ذكره، قال: خرجت من المدينة الشريفة لزيارة قبر عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمزة رضي الله عنه، فلما كنت في أثناء الطريق تبعني إنسان، فلما وصلنا لقينا باب القبة مغلقًا، ثم انفتح لنا ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدخلنا فلقينا عنده رجل يدعو، فقلت لرفيقي، هذا من الإبدال، والدعاء في هذه الساعة مستجاب، فدعا إلى الله تعالى أن يرزقه ديناراً وسألت الله أن يعافيني من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة، فلما رجعنا وقربنا بالمدينة لقينا إنسانًا، فأعطى رفيقي ديناراً، فلما دخلنا المدينة. وقع نظر الشيخ أبي الحسن علينا، فقال لرفيقي: يا خسيس الهمة صادفت ساعة اجابة، ثم صرفتها إلى دينار هلا كنت مثل أبي العباس سأل الله تعالى أن يعافيه من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة وقد فعل له ذلك؟ قلت: هذا معنى ما روي عنه، وإن لم تكن جميع ألفاظها بعينها.
ومن ذلك ما اشتهر أنه لما دفن بحميراًعذب ماؤها بعد أن كان ملحًا، وهي صحراء عيذاب، وتوفي فيها متوجهاًإلى بيت الله الحرام، وقبره هناك مشهور مزور على ممر الأيام، والشيخ أبو الحسن الشاذلي المذكور مبدأ ظهوره بشاذلة على القرب من تونس.
قال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله: لم يدخل في طريق القوم، حتى كان يعد للمناظرة، وكان متضلعاً بالعلوم الظاهرة، جامعاً لفنونها عن تفسير وحديث ونحو وأصول وآداب، وكانت له السياحات الكثيرة، ثم جامحه بعد ذلك العطاء الكثير والفضل الغريز، واعترف بعلو منزلته من عاصره من أكابر العلماء والأولياء العارفين بالله تعالى، وهذا ما