الغرارة بدمشق بألف وست مائة درهم، وأكلت الجيف، وتفاقم الأمر مع الخمور، والفواحش.
وفيها توفي أبو البقاء موفق الدين بن يعيش بن علي الموصلي الأصل الحلبي المولد والمنشأ النحوي قرأ النحو على أبي السخاء الحلبي، وأبي العباس المغربي التبريزي وسمع الحديث على أبي الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب الطوسي بالموصل، وعلي بن السويد التكريتي، ويحلب على أبي الفرج يحيى بن محمود الثقفي، والقاضي أبي الحسين الطوسي وغيرهم، وكان فاضلاً ماهرًا في النحو والتصريف، واجتمع في دمشق بالشيخ تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي الإمام المشهور، وسأله عن مواضع مشكلة في العربية وعن إعراب ما ذكره الحريري في المقامات العاشرة المعروفة بالرحبية، وهو قوله في آخرها: وحتى إذ لألأ الأفق ذنب السرحان وآن ابتلاج الفجر وحان فأستبهم جواب هذا المكان على الكندي: هل الأفق وذنب السرحان مرفوعان أو منصوبان، أو الأفق مرفوع وذنب السرحان منصوب، أو على العكس؟ وقال له: قد علمت قصدك، وأنك أردت إعلامي بمكانك من هذا العلم، وكتب له بخطه بمدحه والثناء عليه، ووصف تقدمه في الفن الأ د بي.
قال ابن خلكان: وهف! المسألة يجوز الأمور الأربعة فيها، والمختار منها نصب الأفق ورفع ذنب السرحان، قلت: يعني ابن خلكان أن الأفق مفعول، وفعله لألأ، وفاعله ذنب وأما السرحان مخفوض بالإضافة إليه، والمراد بذنب السرحان الفجر الأول الكاذب، فإنه مشبه به في طوله في السماء بخلاف الفجر الصادق، فإنه مشبه بجناحي الطائر لانتشاره يميناً وشمالاً، وهو الذي أشار إليه من الإعراب من كونه المختار، هو الذي ظهر لي وبادر إليه فهمي أول وقوفي على هذه المسألة قبل الوقوف على السؤال، وما يحتمله من الأقوال. قال ابن خلكان: ولما دخلت إلى حلب لأجل الاشتغال بالعلم الشريف، كان الشيخ موفق الدين شيخ الجماعة، وذلك في سنة ست وعشرين وست مائة، وهي مشحونة بالعلماء والمشتغلين، ولم يكن فيهم مثل الشيخ موفق الدين المذكور، فشرعت عليه في قراءة اللمع لابن جني مع سماعي اقراءه الجماعة كانوا قد تنبهوا وتميزوا، وكان حسن التفهيم لطيف الكلام طويل الروح على المبتدىء والمنتهي، وكان خفيف الروح لطيف الشمائل كثير المجون، مع سكينة ووقار. ولقد سأله يوما وأنا حاضر بعض الفقهاء عن قول ذي الرمة: