يونس الموصلي الشافعي أحد الأعلام ولد سنة احدى وخمسين بالموصل، وتفقه على والده، وببغداد على معيد النظامية السديد السلماسي وبرع عليه في علم الأصول والخلاف، وقرأ النحو على ابن سعدون القرطبي، والكمال الأنباري، وأكب على الاشتغال بالعقليات، حتى بلغ فيها الغايات، وكان يتوقد ذكاء، ويموج بالحلوم حتى قيل: إنه كان يتفنن في العلوم فنونًا كثيرة اشتهر ذكره، وطار خبره ودخلت الطلبة إليه من الأقطار، وتفرد باتقان علم الرياضي، قيل: ولم يكن له في وقته نظير هذا ما ذكره الذهبي.

وقال غيره: كان الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح يبالغ في الثناء عليه، ويعظمه، فقيل له يومًا: من شيخه؟ فقال: هذا الرجل خلفه الله عالماً لا يقال على من اشتغل، وهو أكبر من هذا، وله عدة تصانيف.

وقال ابن خلكان: وكان الفقهاء يقولون: إنه يدري أربعة وعشرين فنًا دراية متقنة، فمن ذلك علم المذهب، وكان فيه أوحد زمانه، وكان جماعة من الحنفية يشتغلون عليه في مذهبهم، ويحل لهم مسائل الجامع الكبير أحسن حل مع ما هو عليه من الأشكال المشهور وكان يتقن فني الخلاف العراقي والبخاري، وأصول الفقه وأصول الدين.

ولما وصلت كتب الإمام فخر الدين الرازي إلى الموصل، وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء لم يفهم أحد منهم اصطلاحه فيها سواه، وكان يدري فن الحكمة والمنطق، والطبيعي، والإلهي وكذلك الطب، ويعرف فنون الرياضة من اقليدس، والهيئة، والمخروطات والمتوسطات، والمجسطي، وأنواع الحساب المفتوح منه والجبر والمقابلة والارثماطيقي بالمثناة من فوق قبل الألف، ومن تحت قبل القاف، وطريق الخطاءين، والموسيقى بكسر القاف والمساحة، معرفة لا يشاركه فيها أحد إلا في ظواهرها دون دقائقها والوقوف على حقائقها، واستخرج في علم الأوفاق طرفا لم يهتد إليها أحد، وكان يبحث في العربية، والتصريف بحثاً تاماً حتى إنه كان يقرئ مستوفي كتاب سيبويه، والإيضاح وتكملته للفارسي، ومفصل الزمخشري، وكان له في التفسير، والحديث، وأسماء الرجال وما يتعلق به يد جيدة، وكان يحفظ من التواريخ وأيام العرب ووقائعهم، والأشعار والمحاضرات شيئًا كثيرًا. وكان أهل الذمة يقرؤون عليه التوراة والإنجيل، ويشرح هذين الكتابين لهم شرحًا يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحها لهم مثله.

قلت: هكذا ذكر عنه ومثل هذا معلوم أنه حرام وباطل، وذلك لوجوه أحدها إقراء كتب منسوخة ومبدلة باطل حكمها لا تصح، العمل بها والثاني مؤانسة لأعداء الله، ومجانسة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015