وسارت التتار إلى ديار بكر في طلب جلال الدين، ووصلوا إلى ماردين يسبون ويقتلون. وفيها توفي الملك الأمجد مجد الدين أبو المظفر بهرام شاه صاحب بعلبك، تملكها بعد والده خمسين سنة، وكان جوادًا كريمًا شاعرًا محسنًا قتله، مملوك له بدمشق.
وفيها توفي المهذب شيخ الطب عبد الرحيم بن علي بن حامد الدمشقي واقف المدرسة التي بالصاغة العتيقة على الأطباء، أخذ عن الموفق بن المطران والرضي الرحبي، وأخذ الأدب عن الكندي، وأنتهت إليه معرفة الطب، وصنف فيه التصانيف، وحظي عند الملوك، وفي آخر عمره عرض عليه طرف خرس حتى لا يكاد يفهم كلامه، واجتهد في علاج نفسه، فما أفاد بل ولد له أمراضًا، وما زال يسعل إلى أن مات.
وفيها توفي الإمام النحوي أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي الفقيه الحنفي صاحب الألفية، أقرأ العربية مدة بدمشق ثم بمصر.
وروى عن القاسم ابن عساكر، وتوفي بمصر، وكان أحد أئمة عصره في النحو واللغة، واشتغل عليه خلق كثير، وانتفعوا به، وصنف تصانيف مفيدة، وكان انتقاله من دمشق إلى مصر. بسبب أن الملك الكامل رغبه في ذلك، وقرر له على التصدر بجامع العتيق لإقراء الأدب رزقًا، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي بها، فدفن على شفير الخندق، قرب تربة الإمام الشافعي، وقبره هنالك ظاهر.
والزواوي نسبة إلى زواوة، وهي قبيلة كبيرة بظاهر بجاية من أعمال أفريقية ذات بطون وأفخاذ وفيها توفي الشيخ الجليل العارف الواعظ المنطق بالحكم، ومحاسن المواعظ أبو زكريا يحيى بن معاذ الرازي أحد شيوخ الرسالة المشهورة، وأرباب المحاسن المشكورة، مدحه الأستاذ أبو القاسم القشيري، وقال: نسيج. وحده في وقته له لسان في الرجا خصوصًا، وكلام في المعرفة، خرج إلى بلخ وأقام بها مدة، ورجع إلى نيسابورا ومات بها. ومن كلامه كيف يكون زاهدًا من لا ورع له؟ تورع عما ليس لك، ثم أزهد فيما لك،