وقتلوا منهم ثلاثين ألفًا، ثم سلكوا طرقأ وعرة في الجبال إلى أن وصلوا بلاد اللان وفيها طوائف من الترك، وقليل من المسليمن، فالتقوا وكانت الدائرة على اللان، فقتلوا وسبوا ومروا إلى أن وصلوا مدينة سوادق ولم يزالوا يطوون الأرض ويضربون إلى أن كلت أسلحتهم وتكلكلت أيديهم مما قتلوا من النساء والأطفال، فضلاً عن الرجال، وكان خوارزم شاه بطلاً مقدامًا، وعسكره أوباشًا ليس لهم أقطاع، ولا ديوان بل يعيشون من النهب والغارات، وهم ما بين تركي كافر، أو مسلم جاهل لا يعرفون تعبية العسكر في المصاف، ولا أدمنوا إلا على المهاجمة وما لهم زرديات ولا عدة جيدة للحرب ثم أنه كان يقتل بعض القبيلة، ويستخدم باقيها، ولم يكن فيه شيء من المداراة لا لجنده ولا لعدوه، ويحرش بالتتار، وهم يغضبون على من يرضيهم، فكيف من يبغضهم ويوذيهم؟! فخرجوا عليه وهم بنواب وأولو كلمة مجتمعة وقلب واحد ورئيس مطاع، فلم يمكن خوارزم شاه أن يقف بين أيديهم ولكل أجل كتاب.

وفي السنة المذكورة توفي قاضي القضاة زكي الدين محمد بن يحيى القرشي الدمشقي، كان ذهيبة، وسطوة، وحشمة، وكان الملك المعظم يكرهه فاتفق أنه طالب جابي العزيزية بالحساب، فأساء الأدب عليه فأمر بضربه بين يديه، فوجد المعظم سبيلاً إلى أذيته، وبعث إليه بخلعة أمير قباء وكلوته، وألزمه يلبسها في مجلس حكمه، ففعل، ثم قام، فدخل ولزم بيته ومات كمدًا يقال: إنه رمي قطعًا من كبده، ومات كهلاً، فندم المعظم.

وفيها توفي الشيخ المقدم أسد الشام عبد الله بن عثمان اليويثيني، كان شيخًا مهيبًا طوالاً حاد الحال، تام الشجاعة أمارًا بالمعروف نهاء على المنكر، كثير الجهاد، دائم الذكر، عظيم الشأن، منقطع القرين، صاحب مجاهدات، وكان الأمجد صاحب بعلبك يزوره، وكان يهينه ويقول: يا مجيد أنت تظلم. وتفعل وتفعل، وهو يعتذر إليه وقيل: كان قوسه ثمان عشرة رطلاً، وكان لا يبالي بالرجال، قلوا أم كثروا، وكان ينشد هذه الأبيات ويبكي.

شفيعي إليكم طول شوقي إليكم ... وكل كريم للشفيع قبول

وعذري إليكم أنني في هواكم ... أسير وما سور الغرام ذليل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015