انتقل عن مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنهما، ولمم يوجد في بيت أتابك مع كثرتهم شافعي سواه.

ولما توفي نور الدين توجه إلى بغداد في الرسالة بسبب تقرير ولده الملك القاهر مسعود، فعاد وقد قضى الشغل ومعه الخلعة والتقليد، وتوفرت حرمته عند القاهر أكثر مما كانت عند أبيه، وكان مكمل الآداب، غير أنه لم يرزق سعادة في تصانيفه فإنها ليست على قدر فضائله.

وكان الملك المعظم صاحب إربل يقول: رأيت الشيخ عماد الدين في المنام بعد موته، فقلت له: أما مت؟! فقال: بلى، ولكني محترم رحمه الله تعالى.

وفيها توفي القاضي السعيد أبو القاسم هبة الله بن القاضي الرشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد السعدي، الشاعر المشهور، المصرفي صاحب ديوان الشعر البديع، ونظم رائق الحسن الرفيع أحد الفضلاء الرؤساء النبلاء، أخذ الحديث عن أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني، وكان كثير التخصيص والنعم، وافر السعادة من الدنيا، حميد الشيم اختصر كتاب الحيوان للجاحظ وسمي المختصر روح الحيوان، وله ديوان جميعه موشحات سماء دار الطراز وجمع شيئًا من الرسائل الدائرة بينه وبين القاضي الفاضل، ومن محاسن شعره قوله في غزل قصيدة مدح بها القاضي الفاضل:

ولو أبصر النظام جوهر ثغرها ... لما شك فيه أنه الجوهر الفرد

ومن قال: إن الخيرزانة قدها ... فقولوا له: إياك أن يسمع القد

وكان بمصر شاعر يقال له: أبو المكارم هبة الله بن وزير، فبلغ القاضي الملقب بالسعيد المذكور أنه هجاه، فأحضره إليه وأد به وشتمه، فكتب إليه أبو الحسن المعروف بابن المنجم الشاعر المشهور:

قل للسعيد أدام الله نعمته ... صديق ابن وزير كيف تظلمه

صفعته إذا غدا يهجوك منتقمًا ... وكيف من بعد هذا ظلت تشتمه

هجو يهجو، وهذا الصفع فيه ربًا ... والشرع ما يقتضيه، بل يحرمه

فإن تقل ما بهجو عنده ألم ... فالصفع والله أيضًا ليس يؤلمه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015