فيها قدم العزيز دمشق مرة ثالثة ومعه عمه العادل، فحاصرا دمشق، ثم حاصر جند الأفضل عليه، ففتحوا لهما ودخلا في رجب، وزال ملك الأفضل، ورجع العزيز، وبقي العادل بدمشق وخطب بها للعزيز قليلاً. وفيها توفي الشيخ السديد شيخ الطب بالديار المصرية الملقب شرف الدين عبد الله بن علي. أخذ الصناعة عن الموفق بن زربي - بالزاي ثم الراء ثم الموحدة وياء النسبة - وخدم العاضد صاحب مصر، ونال الحرمة والجاه العريض، وعمر دهراً، وأخذ عنه النفيس بن الزبير. وحكي أنه حصل له في يوم ثلاثون ألف دينار، وحكى عنه تلميذه أبن الزبير أنه لما ظهر ولدي الحافظ لدين الله حصل له نحو خمسين ألف دينار. وفيها توفي الحبر الإمام أبو القاسم محمود بن المبارك الواسطي ثم البغدادي الفقيه الشافعي، أحد الأذكياء المناظرين المشار إليه في زمانه، والمقدم على أقرانه، درس بالنظامية، وقم دمشق، بنيت له مدرسة جاروخ - بالجيم في أوله والخاء المعجمة في آخره - ثم توتجه إلى شيراز وبنى له ملكها مدرسة، ثم أحضره ابن القضاب وقدمه. وفيها توفي أبو الغنائم محمد بن علي معروف بابن المعلم الشاعر المشهور، كان شاعراً رقيق الشعر لطيف الطبع، يكاد شعره يذوب من رقته، وهو أحد من اشتهر شعره وانتشر ذكره، ونبل بالشعر قدره، وحسن به حاله وأمره، وطال في نظمه عمره، وساعده على قبوله دهره، وأكثر القول في الغزل والمدح وفنون المقاصد، وكان سهل الألفاظ صحيح المعاني، يغلب على شعره وصف الشوق والحب وذكر الصباية والغرام، فعلق بالقلوب، ولطف مكانه عند أكثر الناس ومالوا إليه وتحفظوا وتداولوه بينهم، واستشهد به الوغاظ واستحلاه السامعون. قال ابن خلكان: سمعت من جماعة من مشايخ البطائح يقولون: ما سبب لطافة شعر ابن المعلم؟! ألا أنه كان إذا نظم قصيدة حفظها الفقراء المنتسبون إلى الشسخ أحمد بن الرفاعي، وغنوا بها في سماعاتهم، فطابوا عليها، فعادت عليه بركة أنفاسهم. قال: ورأيتهم يعتقدون ذلك اعتقاداً لا شك فيه عندهم، قال: وبالجملة، فشعره شبيه النوح، ولا يسمعه من عنده أدنى هوى إلا وهاج غرامه. قال: وكان بينه وبين ابن التعاويذي الشاعر المتقدم