ابن العربي كان إماماً معروفاً يسرد المتون والأسانيد عارفاً بالرجال واللغة ورعاً جليل القدر، طلبه من السلطان ليسمع بمراكش، فمات بها. وفيها توفي الشيخ الكبير قدوة العارفين وأستاذ المحققين، صاحب الكرامات الخارقة والانفاس الصادقة، والمقامات العلية والأحوال السنية، والهمم السامية والبركات النامية، والمعارف الجليلة والمواهب الجزيلة، والقدم الراسخ والمنهج المحمود، والباع الطويل في التصرف النافذ في الوجود، والمظهر العظيم والمحل الكريم أبو مدين شعيب بن الحسن، وقيل ابن الحسين المغربي - قدس الله روحه - أحد أركان هذا الشأن وأجمل الأكابر الأعيان، أظهر الله على يديه عجائب الآيات، ونطقه بفنون الحكم وكشف له الأسرار المغيبات، ورزقه القبول العظيم التام، والهيبة الوافرة في قلوب الأنام، ونشر ذكره في الآفاق وانعقد الإجماع على فضله، واجتمع عنده جمع كثير من الفقهاء والصلحاء، وتخرج به جماعة من أكابر المشايخ الأصفياء، مثل الشيخ أبي محمد عبد الرحيم القنادي، والشيخ أبي عبد الله القرشي، والشيخ أبي محمد عبد الله الفارسي، والشيخ أبي محمد صاحب الدكالي، والشيخ أبي غانم سالم، والشيخ أبي علي واضح، والشيخ أبي الصبر أيوب المكناسي، والشيخ أبي محمد عبد الواحد، والشيخ أبي الربيع المظفري، والشيخ أبي زيدين هبة الله وغيرهم من العلماء. وتلمذ له خلق كثير من أهل الطريق، وقال بارادته جم غفير من أصحاب الأحوال، وانتهى إليه عالم عظيم من الصلحاء وتأدب بين يديه المشايخ والعلماء، وله كلام نفيس على لسان أهل الحقائق، وكرامات عظام باهرات وخوارق. فمن كلامه: أغنى الأغنياء من أبدى له الحق حقيقة من حقه، وأفقر الفقراء من ستر الحق حقه عنه ومنه إذا ظهر الحق لم يبق معه غيره، وليس للقلب سوى وجهة واحدة، فإلى أي جهة توجه حجب عن غيرها، واذا سكن الخوف القلب أورثه المراقبة، ومن تحقق بالعبودية نظر أفعاله بعين الرياء وأحواله بعين الدعوى وأقواله بعين الافتراء، وما وصل إلى صريح الحرية من عليه من نفسه بقية. ومن كراماته ما روي أنه كان يوماً ماراً على الساحل فاعترضه طائفة من الفرنج، وحملوه معهم أسيراً إلى سفينة عظيمة لهم، فلما صار فيها إذا جماعة من المسلمين أسارى، فأخذوهم وفيها جعلوهم، فلما استقر الشيخ المذكور فيها مدوا قلوعها وعزموا على المسير، فلم تذهب بهم السفينة، ولا تحركت من مكانها - على قوة الريح وشدة هبوبها وهيجانها - فلما أيقنوا أنهم على المسير لا يقدرون، وخافوا أن يدركهم المسلمون قال بعضهم لبعض: هذا بسبب هذا المسلم ولعله من أصحاب السرائر - يشيرون إلى الشيخ المذكور - فعند ذلك أمروه بالنزول فقال: لا أفعل حتى تطلقوا كل من في سفينتكم من المسلمين، فلما علموا أن