اعلم أنه لما كان شهر المحرم مفتتح سنة سبع وستين وخمس مائة قطعت خطبة العاضد صاحب مصر، وخطب فيها للإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين. وكان سبب ذلك أن صلاح الدين لما ثبت قدمه في مصر، وزال المخالفون له، وضعف أمر العاضد، ولم يبق من العساكر المصرية أحد كتب إليه الملك العادل نور الدين محمود، يأمره بقطع الخطبة العاضدية وإقامة الخطبة العباسية، فاعتذر صلاح الدين للخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك لميلهم إلى دولة المصريين، فلم يصغ نورالدين إلى قوله، وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزاماً لا فسحة له، واتفق أن العاضد مرض، وكان صلاح الدين قد عزم على قطع الخطبة له، فاستشار أمراءه كيف يكون الابتداء بالخطبة العباسية، فمنهم من ساعد على ذلك، ومنهم من خاف. وكان قد وصل إلى مصر إنسان أعجمي يعرف بالأمير العالم، فلما رأى ما هم فيه من الإحجام قال: أنا أبتدىء بها. فلما كان أول جمعة من المحرم صعد المنبر قبل الخطيب، ودعا للمستضيء بأمر الله، فلم ينكر أحد ذلك. فلما كان الجمعة الثانية أمر صلاح الدين الخطباء بمصر والقاهرة بقطع خطبة العاضد وإقامة الخطبة للمستضيء بأمر الله، ففعلوا ذلك ولم ينتطح فيها عنزان، وكتب بذلك إلى سائر الديار المصرية وكان العاضد قد اشتد مرضه، فلم يعلمه أهله وأصحابه بذلك وقال: إن سلم فهو يعلم، وإن توفي فلا ينبغي أن ينغص عليه هذه الأيام التي بقيت من أجله. فتوفي يوم عاشوراء ولم يعلم بذلك. قلت: وقد نقلت عن بعضهم في كتاب المرهم أن العاضد مات غماً بما فعله صلاح الدين، ولم يقدرعلى منعه من ذلك. ولما توفي جلس صلاح الدين للعزاء واستولى على قصره وجميع ما فيه. ونقل أهل العاضد إلى مكان منفرد، ووكل بهم من يحفظهم، وجعل أولادهم وعمومتهم وأبناءهم في إيوان من القصر، وجعل عندهم من يحفظهم، وأخرج من كان فيه من العبيد والإماء، وأعتق البعض ووهب البعض وباع البعض، وأخلى القصر من سكانه وأهله. فسبحان من لا يتغير ملكه ولا يزول، ولا يؤثر فيه مرور الأيام والدهور. وكان ابتداء الدولة العبيدية بإفريقية والمغرب في ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائتين.
أما عددهم فجملتهم أربعة عشر: أول من ظهر منهم على إفريقية عبيد الله الملقب بالمهدي، ثم بعده القائم بأمر الله، ثم المنصور، ثم المعز، ثم العزيز ثم الحاكم وهو الذي