الأديب. كتب وسعى وجمع فأوعى، وصنف شرحاً طويلاً للمقامات، استوعب فيه ما لم يستوعبه غيره في خمس مجلدات كبار، ولم يبلغ أحد من شرح المقامات إلى هذا القدر ولا إلى نصفه، وكان مقيماً بدمشق، والناس يأخذون عنه بعد أن كان يعلم الملك الأفضل عند السلطان صلاح الدين، حصل له بطريقة كتباً نفيسة غريبة، وبها استعان على شرح المقامات. وحكى أبو البركات الهاشمي قال: لما دخل السلطان صلاح الدين حلب نزل المسعودي المذكور إلى جامع حلب، وقعد في خزانة كتب الوقف، واختار منها جملة أخذها لم يمنعه منها مانع، ولقد رأيته وهو يحشوها في عدل وقال ابن النجار: كان من الفضلاء في كل فن في الفقه والحديث والأدب، وكان من أظرف المشايخ وأجملهم، توفي عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها توفي أبو الفتح التعاويذي، الشاعر الذي سار نظمه في الآفاق، وتقدم على شعراء العراق. هكذا ذكر بعضهم في السنة المذكورة، وقد قدمنا عن بعضهم ذكر موته في سنة ثلاث وخمسين، وذكرت شيئاً من فضائله هناك. وفيها توفي الإمام الحافظ محمد بن موسى الخازمي الهمداني الملقب زين الدين، أحد الحفاظ المتقنين وعباد الله الصالحين، سمع من أبي الوقت حضوراً، وسمع من أبي زرعة، ومعمر بن الفاخر بالخاء المعجمة ورحل إلى العراق وأصبهان والجزيرة وبلاد فارس وهمدان والشام والنواحي، وصنف التصانيف، وكان إماماً ذكياً ثاقب الذهن، فقيهاً بارعاً ومحدثاً ماهراً، بصيراً بالرجال والعلل، متبحراً في علم السنن ذا زهد وتعبد، وتأله وانقباض عن الناس، وغلب عليه الحديث، وبرع فيه واشتهر به، وصنف فيه وفي غيره كتباً مفيدة منها: الناسخ والمنسوخ في الحديث، وكتاب الفصل في مشتبه السنة، وكتاب عجالة المبتدىء في النسب، وكتاب ما اتفق لفظه وافترق مسماه في الأماكن والبلدان المشتبهة في الخط، وكتاب سلسلة الذهب فيما روى الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الشافعي، وشروط الأئمة، وغير ذلك من الكتب النافعة. واستوطن بغداد ساكناً في الجانب الشرقي، ولم يزل مواظباً للاشتغال ملازم الخير إلى أن توفي رحمة الله تعالى عليه، فدفن في الشونيزية إلى جانب سمنون بن حمزة، مقابل قبر الجنيد رحمة الله تعالى على الجميع، بعد أن صلى عليه خلق كثير برحبة جامع القصر، وحمل إلى الجانب الغربي فصلي عليه مرة بعد أخرى، وفرق كتبه على أصحاب الحديث. وكانت ولادته في سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمس مائة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015