واعلم أنه يفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع بفارقين ظاهرين وهما أن خطاب الوضع علامته أنه اما ألا يكون في قدرة المكلف أصلاً كزوال الشمس والنقاء من الحيض أو يكون في قدرته، ولا يؤمر به كالنصاب للزكاة والاستطاعة للحج وعدم السفر للصوم، وبهذا
تعرف أن خطاب التكليف علامته أمران أن يكون في قدرة المكلف، ويؤمر به فعلاً كالوضوء للصلاة أو تركان كسائر المنهيات، وخطاب الوضع أعم من خطاب التكليف لأن كل تكليف معه خطاب وضع اذ لا يخلو من شرط أو مانع مثلاً، وقد يوجد خطاب الوضع حيث لا تكليف كلزوم غرم المتلفات وآروش الجنايات لغير المكلف كالصبي، وقيل بينهما عموم وخصوص من وجه واعتمده القرافي في الفروق.
أما العلة فهي في اللغة: عبارة عما اقتضى تغييراً ومنه سميت علة المريض لأنها اقتضت تغير الحال، ومنه قول زهير:
ان تلق يوماً على علاته هرما ... تلق السماحة منه والندى خلقا
أي ان تلقه على علاته أي حالاته المقتضية تغيير الوجود كالفقر والجدب تلقه متصفاً بالجود والسماحة على كل حال، والعلة العقلية عبارة عما يوجب الحكم لا محالة كتأثير حركة الاصبع في حركة الخاتم وتأثير الكسر في الانكسار والتسويد في السواد والفقهاء يستعملون العلة في ثلاثة أشياء:
الأول: ما يوجب الحكم لا محالة أي اذا وجد قطعاً وهو المجموع المركب من مقتضى الحكم، وشرطه ومحله وأهله كوجوب الصلاة فانه حكم شرعي ومقتضيه أمر الشارع بالصلاة وشرطه أهنية المصلي لتوجه الخطاب عليه بأن يكون بالغاً عاقلاً ومحله الصلاة وأهله المصلى، فاذا وجد هذا المجموع وجدت الصلاة ويطلق على هذا المجموع اسم العلة تشبيهاً بالعلة العقلية، وقول المؤلف في هذا البحث: والاهل والمحل: وصفان من