ومعلوم أن النصوص لن تلاحق الأحداث فكان على المجتهدين أن يبحثوا عن عمومات وكليات تندرج فيها تلك الجزيئات، وكان ذلك مبني على الإجتهاد والإستنباط ومعتمد على ذلك على الملكة والفكر والتحصيل ومعرفة مدارك النصوص.
ولما كانت النصوص فيها العام والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمجمل والمبين، وما إلى ذلك كان لا بد من قواعد ومنهج ينظم هذا الإجتهاد، ويصنف مباحثه في أبواب وفصول فكان من ذلك علم الأصول.
وكان أول من سارع إليه وكتب فيه الإمام الشافعي رحمه الله، ثم توالت على هذا الفن أقلام، وتناولته عقول حتى تطور واكتمل واستقل، ولكن دخلته اصطلاحات المتكلمين ليثبتوا بعض ما تناولوه بطريق العقل على زعمهم أن العقل مقدم على غيره. كما خالطته طرق الفقهاء ليؤيدوا به فروع مذاهبهم إذا تعارضت مع غيرها.
وهكذا أصبح لكل مذهب قواعد ومنهج، وتعددت كتب الأصول بتعدد المذاهب. وأصبح من اللازم لكل ناظر في مذهب من مذاهب الأئمة أن يعرف قواعده وأصوله، وعلى كل دارس للكتاب والسنة أن يقرأ أصول هذا الفن وقواعده وخاصة إذا أراد معرفة استنباط الأحكام السابقة، أو تقديم بعض النصوص المتعارضة أو نحو ذلك، مما لا يتأتي الا عن طريق قواعد وأصول هذا الفن.