الأول: مجمع عليه في كل الشرائع: وهو أن تكون القاعدة الكلية منصوصة أو متفقاً عليها فيجتهد في تحقيقها في الفرع، كوجوب المثل من النعم في جزاء الصيد، وكوجوب نفقة الزوجة، فيجتهد في البقرة مثلا بأنها مثل الحمار الوحشي، ويجتهد في القدر الكافي في نفقة الزوجة.
فوجوب المثل والنفقة معلوم من النصوص، وكون البقرة مثلا، وكون القدر المعين كافياً في النفقة، علم بنوع من الاجتهاد، وهو هذا القسم من تحقيق المناط، والمناط هنا ليس بمعناه الاصطلاحي لأنه ليس المراد به العلة، وانما المراد به النص العام وتطبيق النص في أفراده هو هذا النوع من تحقيق المناط. ولا يخفى أن في عده من تحقيق المناط مسامحة، ولا مشاحة في الاصطلاح.
النوع الثاني منه هو ما عرف فيه علة الحكم بنص أو اجماع، فيحقق المجتهد وجود تلك العلة في الفرع، كالعلم بأن السرقة هي مناط القطع، فيحقق المجتهد وجودها في النباش لأخذه الكفن من حرز مثله.
الضرب الثاني: تنقيح المناط، والتنقيح في اللغة التهذيب والتصفية، فمعنى تنقيح المناط تهذيب العلة وتصفيتها بالغاء ما لا يصلح للتعليل واعتبار الصالح له. ومثاله: قصة الأعرابي المجامع في نهار رمضان. ففي بعض رواياتها أنه جاء يضرب صدره وينتف شعره ويقول: هلكت، وأقعت أهلي في نهار رمضان.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة. فكونه إعرابياً، وكونه يضرب صدره، وينتف شعره، وكون الموطوءة زوجته مثلا، كلها أوصاف لا تصلح للعلية فتلغي تنقيحاً للعلة أي تصفية لها عند الاختلاط بما ليس بصالح.
واعلم أن تنقيح المناط تارة يكون بحذف بعض الأوصاف لأنها لا تصلح، وتارة بزيادة بعض الأوصاف لأنها صالحة للتعليل. وقد اجتمع